للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقوع الملحمة بين المسلمين والنصارى]

ثم صلى الله عليه وسلم حال المسلمين التي سيكونون فيها عند ظهور الدجال، وهذه الحال ستكون عبارة عن حروب بين المسلمين وبين النصارى، وسيكون فيها النصر في النهاية لأهل الإسلام، ثم يظهر الدجال، فقال عليه الصلاة والسلام: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بـ مرج ذي تلول -موضع معين- فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه -أي: يكسر الصليب- فعند ذلك تغدر الروم، وتجمع للملحمة) وزاد بعضهم: (فيثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة).

أي أنه في آخر الزمان قبيل الدجال سيحصل هناك صلح آمن، ولكن الروم وهم النصارى سيغدرون، وسيقوم رجل يتحدى المسلمين بالصليب، فيقوم أحد المسلمين فيكسره، فتقع بعد ذلك معركة، يكون المسلمين في أول الأمر قلة، فيكرم الله القلة من المسلمين التي تواجه النصارى بالشهادة، ثم بعد ذلك يستعد الفريقان لمعركة كبيرة وملحمة عظمية، يكون فيها النصر للمسلمين.

وقد جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تفصيل لهذه الموقعة، (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بـ الأعماق أو بـ دابق) وهذا موضع قرب حلب في بلاد الشام، أي يكون هناك موضع الملحمة (فيخرج لهم جيش من المدينة المنورة -من المسلمين- من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا أمام بعض، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منها نقاتلهم) معنى ذلك: أن المسلمين في السابق قد أخذوا سبياً من الروم، وأن هؤلاء الروم قد أسلموا وانضموا للمسلمين، وأن الروم الآن يقولون: هاتوا أصحابنا وأقرباءنا من الروم الذين أسلموا معكم: (فيقول المسلمون: لا ولله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فيهزم ثلث -من جيش المسلمين- لا يتوب الله عليهم أبداً) لأنهم لم يتوبوا من الفرار من الزحف (ويقتل ثلث) أي من المسلمين (أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث الأخير البلاد ويغنم ولا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح -أي الدجال- قد خلفكم في أهليكم، يريد إفزاعهم وتخوفيهم، فيخرجون -المسلمين يخرجون إلى جهة خروج الدجال- وذلك باطل -أي: كلام الشيطان هذا باطل- فإذا جاءوا الشام، خرج المسيح الدجال فعلاً، فبينما هم يعدون للقتال -لقتال الدجال بعد أن كانوا قد قاتلوا الروم، وما استطاعوا أن يقتسموا الغنائم- يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، فأمهم) إلى آخر الحديث.

ثم إنه قد ورد لهذه الغزوة تفاصيل أخرى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع له أهل الإسلام -يقول الراوي عن ابن مسعود الروم تعن؟ ي قال: نعم- وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل).

ثم ملخص الحديث أن هؤلاء الفدائيون من المسلمين الذين يخرجون من جيش المسلمين يقتلون شهداء، ومرة ثانية وثالثة، لأنهم قلة، ثم بعد ذلك ينهد لهم أهل الإسلام، أي: يجتمع أهل الإسلام من الأماكن المختلفة: (فيجعل الله الدائرة على الكفار فيُقتلون) المسلمين يقتلون من الكفار مقتلة لا يرى مثلها (حتى إن الطائر لا يمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً) بعض السذج من الناس لما قرأ الحديث، قال: هذه إشارة إلى الأسلحة الكيمائية، وهذا من الضلال الذي قلته قبل قليل، وهي تفسير النصوص الشرعية بأشياء من الواقع، وعلى حسب الهوى، وليس بالرجوع إلى كلام أهل العلم (فيتعادوا بنو الأب كانوا مائة، فلا يجد منه -بقي- إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح، أو أي ميراث يقاسم فبينما هم كذلك، إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم).

فإذاً يكون خروج الدجال بعد معركة كبيرة جداً تحصل بين المسلمين والنصارى (إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم من الغنائم، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -طليعة استكشاف عن هذا الدجال-: إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، أو من خير الفوارس على ظهر الأرض يومئذ).

هذا هو ما سيحدث قبيل خروج الدجال، وهذا يبين أن المسلمين في ذلك الوقت في حركة مدافعة ضد الكفار، وحركة جهادية مستمرة، وأن العداوة بيننا وبين النصارى باقية إلى ذاك الزمان، وأن النصارى سيصالحون المسلمين ثم ينقضون الصلح، ويغدرون بالمسلمين، وأن المسلمين في ذاك الوقت الخلص لن يكتفوا بهزيمة النصارى، وإنما سيواصلون المشوار، وهذا درس في أن جهاد هذه الأمة مستمر إلى قيام الساعة، وأن جهاد هذه الأمة متتابع، وأن المخلصين من المسلمين لا يقفون عند حدٍ معين، ولا يكتفون بتحقيق هدف معين، وإنما لا بد من إكمال المشوار، لاقتلاع الشرك من الأرض {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٣].

هم ما اكتفوا بالقضاء على شوكة النصارى، ولما سمعوا بالدجال اتجهوا نحو الدجال ولم يشتغلوا بتقسيم الغنائم، وهذا درس في عدم الانشغال بالدنيا.