[أقوال السلف في الحث على تطبيق العلم]
إن العلماء أيها الإخوة قد ذكروا حرص طالب العلم على تطبيق العلم، والخطيب البغدادي رحمه الله له كتاب اسمه اقتضاء العلم العمل، يقول فيه: العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً، العلم والد والعمل مولود، العلم مع العمل والرواية مع الدراية، فلا تأنس بالعمل إذا كنت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم إذا كنت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما.
ثم قال رحمه الله تعالى: فإن الله سبحانه وتعالى قال: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران:١٨٧] قال بعض السلف: تركوا العمل به، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة الذين لا يعملون بعلمهم، وكذلك فإن من الذين تسعر بهم النار، رجل آتاه الله القرآن وعرَّفه تلك النعمة فعرفها، قال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وقرأت القرآن وعلمته فيك، فقال: كذبت، إنما أردت أن يقال: فلانٌ قارئ، فقد قيل، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
قال الناظم:
وعامل بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
قوم يوم القيامة تقرض شفاههم بمقاريض من نار، من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء من أمتك الذين يقولون ولا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون.
الإنسان يسأل يوم القيامة عن علمه ماذا عمل فيه، وكذلك فإن أبا الدرداء رضي الله عنه قد قال: [إنما أخاف أن يكون أول ما يسألني عنه ربي أن يقول: قد علمت فما عملت فيما علمت].
حسن موقوف عليه.
وكان بعض السلف يقول: أخشى ألا تبقى آية في كتاب الله تعالى آمرة أو زاجرة إلا جاءتني تسألني فريضتها، فتسألني الآمرة هل ائتمرت، والزاجرة هل ازدجرت، فأعوذ بالله من علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع.
كان فتىً يختلف إلى أم المؤمنين عائشة يسألها ويكثر السؤال، فقالت: [يا بني! هل عملت بما سمعت مني؟ فقال: لا والله يا أماه، فقالت: يا بني! فلم تستكثر من حجج الله علينا وعليك؟] قال وهب بن منبه: مثل من تعلم علماً لا يعمل به، كمثل طبيب معه دواء لا يتداوى به.
لماذا حصلت البركة عند الأولين؟ لأنهم كانوا يأخذون عشر آيات لا يتجاوزنها حتى يعملوا بما فيها، ولذلك تعلموا العلم والعمل جميعاً.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل].
الإمام أحمد جاءه شاب يطلب الحديث، لما لاحظ عليه الإمام أحمد أنه لا يقوم الليل، قال: أف لطالب حديث لا يقوم الليل.
قال خلاد: أتيت سفيان بن عيينة، فقال: إنما يأتي بك الجهل لا ابتغاء العلم، لو اقتصر جيرانك على علمك لكفاهم، ثم كوم كومة من بطحاء، ثم شقها بإصبعه، ثم قال: هذا العلم أخذت نصفه، هل استعملته؟ ولذلك إيانا وخدعة جمع العلم ثم نعمل، قال حفص بن حميد: دخلت على داود الطائي أسأله مشكلة وكان كريماً، فقال: أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب، أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في الآلة فمتى يحارب؟ إن العلم آلة العمل، فإذا أفنى عمره في جمعه، فمتى يعمل؟ أيها الإخوة! إن مخالفة العلم للعمل خطيرة جداً، هناك واحد في النار يجاء به يدر بأقتاب بطنه كما يور الحمار بالرحى، فيطوف به أهل النار، فيقولون: (أي فلان! ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله).
رواه البخاري.
وأناس في آخر الزمان الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا عنهم يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.
جاءت امرأة إلى ابن مسعود رضي الله عنه تقول: أنبئت أنك تنهى عن الواصلة؟ قال: نعم، ثم بين لها الدليل، قالت المرأة: فلعله في بعض نسائك، يمكن بلغنا أن زوجتك تفعل نمص الشعر، قال: ادخلي بنفسك وتأكدي، فدخلت ثم خرجت فقالت: ما رأيت بأساً، قال: [ما حفظت إذاً وصية العبد الصالح، وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، لو فعلت ذلك ما جامعناها ولا سكنا معها أصلاً].
قال الحسن: " كان الرجل إذا طلب العلم؛ لم يلبث أن يرى ذلك في بصره وتخشعه ولسانه وصلته وزهده ".