للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فن الفقه وبعض آراء الحسن الفقهية]

كان الحسن البصري فقيهٌ، -ولا شك- له باع عظيم في الفقه، ونُقِلَت عنه آراؤه، فكلُّ مَن صنف في الفقه لا بد أن يذكر من أقوال الحسن شيئاً، ولم يصل إلينا فقهه مجموعاً كما نقل مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ولكنه نُقِل منثوراً في بطون كتب الحديث والفقه، لكن الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء ذكر عن الحميدي أن القاضي محمد بن مفرج ألف كتاب فقه الحسن البصري في سبعة مجلدات، جمع فقهه فيها رحمه الله تعالى.

ولا بأس من ذكر بعض المسائل التي تعرِّف ببعض آراء الحسن رحمه الله: فمثلاً: ١/ ذهب رحمه الله إلى أنه لا يجب الترتيب في أعضاء الوضوء، مع أن المذهب الراجح في هذا وجوب الترتيب.

٢/ يرى رحمه الله أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء بحال، وهذا هو الراجح إن شاء الله، ما لم يخرج منه شيء، فمجرد لمس المرأة لا ينقض الوضوء.

٣/ كان يرى وجوب نقض المرأة شعرها عند الغسل من الحيض، وهو قول الحنابلة.

٤/ كان -رحمه الله- يرى أن المتيمم يصلي ما شاء من الفرائض والنوافل، ويمس المصحف، ويقرأ القرآن، ما دام أنه لم ينقض هذه الطهارة التي عملها بالتيمم، فما دام أنه لم يحدث فإن تيممه باقٍ صحيح يصلي فيه ما شاء من الفرائض والنوافل، ويمس المصحف، ويطوف بالبيت حتى يُحْدِث، ولا يلزمه التيمم لكل صلاة كما قال به بعض أهل العلم.

٥/ ذهب إلى أنه يجوز التيمم للصلاة على الجنازة لمن خاف فواتها، فإذا خاف فوات الجنازة ورفعها وذهابها وهو على غير طهارة بالماء جاز له أن يتيمم حتى مع وجود الماء.

٦/ ذهب إلى أنه يُرَش من بول الغلام ويُغْسل من بول الجارية، وهذا مقتضى الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

٧/ كان يرى أن للرجل السفر قبل دخول وقت الجمعة، فما دام وقت الجمعة لم يدخل بعد فيجوز لك أن تسافر من البلد حتى لو كان اليوم يوم جمعة، وأن الجمعة لا تمنع من السفر كما قال عمر رضي الله عنه.

وذهب إلى كراهة دفن الميت ليلاً، واحتج بالحديث الصحيح الوارد في هذا، وهذا الحديث قد ذكره الإمام مسلم رحمه الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك).

٩/ جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، والراجح في هذه المسألة: وجوب إخراج زكاة الفطر من الطعام، وعدم جواز إخراجها بالقيمة.

١٠/ ذهب إلى أن المرضع إذا أفطرت في رمضان خوفاً على ولدها، والحامل إذا أفطرت خوفاً على جنينها فليس عليهما كفارة بل عليهما القضاء فقط، وهذا مذهب جماعة من أهل العلم؛ من أن المرضع والحامل ليس عليهما إلا القضاء، أما الكفارة فليس عليهما كفارة ما دامتا قد أفطرتا لهذا العذر فهما أشبه بالمريض.

١١) عدم جواز بيع العُربون، والراجح: جواز بيع العُربون، وهو: أن يدفع إلى البائع جزءاً من الثمن إذا اشترى، ويُحْتَسَب من الثمن، وإذا ألغى البيع وغيَّر ما عَقَدَه فإن العربون يذهب عليه، والحديث الوارد في النهي عن بيع العُربون حديث ضعيف، فلذلك المسألة باقية على الأصل في جواز هذا البيع.

١٢/ وذهب الحسن رحمه الله إلى جواز مشاركة المسلم لليهودي والنصراني، والمعنى جواز أن يدخل معهم في شركة أو في تجارة بشرط: ألا يخلو اليهودي أو النصراني بالمال دونه -أي: دون المسلم- ويكون المسلم هو الذي يلي المال؛ خشية العمل بالربا، لأنه لو تركت إدارة الشركة أو التجارة لليهودي أو النصراني يمكن أن يعمل بالحرام وأن يأخذ الربا، أما إذا كانت الإدارة للمسلم أو له الإشراف عليها فإنه لا بأس أن يشارك الكافر في التجارة.

وهناك مسألة: إذا قال خذ المال مضاربةً ولم يسمِّ للعامل شيئاً من الربح فما نصيب العامل؟ واحد أعطى شخصاً مالاً، قال: اتَّجِر به، هذه شركة مضاربة: المال من شخص والجهد والعمل من شخص آخر، ولم يحدد له نسبة، فذهب رحمه الله إلى أن الربح بينهما مناصفة إذا لم يحدد نسبة وحصلت التجارة وحصلت أرباح فالربح بينهما مناصفة.

١٣/ ذهب رحمه الله إلى جواز تأجير المستأجر للعين بأكثر مما استأجر به، فإذا استأجر شيئاً جاز أن يؤجره، وذكر أهل العلم أنه يجوز أن يؤجره ما دامت مدة الإجارة سارية المفعول، وما دام أنه قد ملك المنفعة فيجوز أن يعطيها لغيره ويؤجرها أيضاً، لكن بشرط ألا يكون استعمال الثاني أكثر من الأول، فلو كان -مثلاً- عنده خمسة أولاد، فلا يجوز أن يؤجر البيت الذي استأجره على إنسان له عشرة، أو استأجره سكنى فلا يجوز له أن يؤجره على عمال أو على ورشة بحيث يستعملون الشيء المستأجَر أكثر مما كان سيستعمله لو كان سكن فيه.

هذا الشرط عند بعض أهل العلم في جواز تأجير الشيء المستأجر.

١٤/ كان يرى بأن الخُلْع يُعَدُّ طلقة، وذهب عدد من أهل العلم إلى أنه يعتبر فسخاً ولا يعتبر طلاقاً.

١٥/ ذهب رحمه الله إلى وقوع طلاق السكران، وأن السكران يتحمل الطلاق، وهذا رأي جمهور أهل العلم، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وكذا ابن القيم وغيرهما إلى أن طلاق السكران لا يقع، ويوجد طرف بريء في الموضوع ألا وهي الزوجة، وهو لا يدري عن تصرفاته، والمسألة فيها كلام طويل، وهذا رأيه رحمه الله.

١٦/ ثم رأى أيضاً في مسألة صيام شهرين متتابعين أنه إذا كان على الإنسان كفارة الظهار -مثلاًَ- فإن السفر المبيح للفطر لا يقطع التتابع، فلو شرع في صيام شهرين ثم سافر سفراً طبيعياً لم يقصد منه تحايلاً -سافر سفراً مشروعاً- فإنه يفطر في هذا السفر، وإفطاره لا يقطع التتابع.

١٧/ أفتى رحمه الله بأن الزوج إذا أعسر بالنفقة كان للزوجة الخيار في أن تصبر عليه أو تطلب من الحاكم التفريق بينها وبين زوجها.

١٨/ ذهب إلى أنه لا فرق بين الرجال والنساء في وجوب القتل بالردة، فإذا ارتدت المرأة تقتل مثلما يقتل الرجل.

وأن الاستتابة مستحبة وليست بواجبة.

١٩/ وفي باب الأطعمة: ذهب رحمه الله إلى تحريم أكل لحم القرد وتحريم بيعه، قال ابن عبد البر: لا أعلم بين علماء المسلمين خلافاً أن القرد لا يؤكل ولا يجوز بيعه.

وهو مسخ، فيكون من الخبائث المحرمة، وبعض العلماء ذهبوا إلى جواز بيع القرد، قالوا: لأنه يُنْتَفَع منه فيُمْسِك الشمعة ويحفظ الأمتعة، ولأنه يقبل التعليم، أي أنه يمكن تدريبه على حراسة وحفظ الأمتعة.

٢٠/ وفي العقيقة: ذهب الحسن رحمه الله إلى وجوبها، وهو الذي روى حديث العقيقة عن سمرة رضي الله عنه، وذهب جمهور أهل العلم إلى استحباب العقيقة وعدم وجوبها.

٢١/ ذهب الحسن رحمه الله إلى عدم وجوب الكفارة في اليمين الغموس إذا حلف يميناً كاذبةً غموساً، وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في النار، فإنه ليس عليه كفارة لأنها أعظم من أن تكفر، وليس لها إلا التوبة، وذهب بعض أهل العلم كـ الشافعي رحمه الله إلى أنه تجري الكفارة حتى في اليمين الغموس إذا حلف كاذباً.

٢٢/ رأى جواز إخراج الكفارة قبل الحلف باليمين، يعني: إذا أراد أن يحنث في يمينه، حلف على شيء وأراد أن يخالفه فإنه يجوز له أن يكفر قبل أن يحنث، وفعله صحيح.

٢٣/ كان يرى أن المريض الذي عنده الماء ولا يجد من يناوله الماء أنه يتيمم.

٢٤/ ومن فتاويه أيضاً في صلاة الجماعة: قوله: [إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة عليه فلا يُطِعْها]، فإذا منعته أمه من الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء في جماعة شفقة عليه لم يُطِعْها.

٢٥/ وقال الحسن فيمن مات وعليه صوم: [إن صام عنه ثلاثون رجلاً يوماً واحداً جاز]، كل واحد من الثلاثين رجلاً يصوم يوماً واحداً عن شخص عليه قضاء من رمضان ومات ولم يقضه، أنه يجوز ذلك.

٢٦/ وأيضاً من فتاويه، قال: [من تكفَّل عن ميتٍ دَيناً فليس له أن يرجع]، فإذا مات شخص وعليه دين، فقال رجل من الناس الأحياء: أنا عليَّ دينه، أو أنا أتكفل بدينه؛ فليس له أن يتراجع بعد ذلك ويُلْزَم بوفاء الدَّين.