[مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم]
أحياناً قد يتهم رجل بأنه مذنب، ثم تتبين براءته من الذنب، فلابد من تعويضه عما وقع عليه، وأن يرفع الظلم الذي نزل به.
مثل هذا حادثة زيد بن أرقم -في الصحيح - لما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بقول المنافق وتكذيبه للرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء المنافق وحلف أنه ما قال هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بقول المنافق ولم يأخذ بقول زيد بن أرقم -وهو شاب صغير- فاتهم الناس زيد بن أرقم وقيل له: ما أردت إلا أن مقتك رسول الله وكذبك والمسلمون.
قال: فوقع عليَّ من الهم ما لم يقع على أحد.
قال: (فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، قد خفقت برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني، وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا، ثم إن أبا بكر لحقني، فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وجاء عمر وسأل) حتى يراعوا نفس هذا الصحابي الصغير الذي كان متهماً ظلماً، ثم تبينت براءته، وأنزل الله تصديقه في القرآن: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون:١] إلى آخر الآيات.
مشاركة الحزانى في أحزانهم: وفي يوم بدر عندما أسر الرسول صلى الله عليه وسلم سبعين من المشركين، سأل الصحابة، قال: (ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ترى يا بن الخطاب؟ قال: قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، إني أرى أن تمكنَّا فنضرب أعناقهم، فتعطي كل واحد قريبه من المشركين يقتله، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده، وفي قتلهم مصلحة للمسلمين.
قال عمر: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فإذا كان من الغد جئت، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر يبكيان، فقلت: يا رسول الله! من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت -انظر قال عمر: أخبرني ماذا يبكيك لعلي أشارك في البكاء يا رسول الله! - وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما) تظاهرت بالبكاء حتى أشارككما بالشعور إلى آخر الحديث.
فهذا ابن الخطاب يريد أن يشارك بالبكاء.
وكذلك عائشة لما رميت في حديث الإفك، واتهمها المنافقون وسرت الإشاعة بين المسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتبين له شيء، واعتزل عائشة، تقول عائشة: (وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي).
مع أن المشكلة ليست مشكلتها هي، لكن جلست تبكي من باب مشاركة عائشة في المصيبة.
الشاهد: أن مشاركة الناس في أحزانهم مهمة، فلا يكون المرء في مصيبة وهو يبكي وأنت بجانبه تضحك، وتقول أمامه الطرائف والنكت.
ولو أنه فرح، ماذا تفعل؟ تشاركه أيضاً في الفرح.
كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة العسرة المعروفة والمشهورة لما تاب الله عليه وبشره شخص بصوت من بعيد، يقول: (فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة -انظر الصحابة كيف يشاركون بعضهم البعض- ويقولون: لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني، ووالله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال الراوي: فكان كعب لا ينساها لـ طلحة) لماذا لا ينساها لـ طلحة؟ لأنه قام من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ومشى واستقبل كعباً وهنأه وصافحه.
عندما يتنافس اثنان في عمل، وواحد منهما ينجز العمل والثاني لا ينجزه، والذي لم ينجز العمل هو صادق يريد إنفاذ العمل، لكن فاز به الآخر، فلابد من مراعاة شعور هذا الرجل.
كان اثنان من الصحابة - معاذ ومعوذ - يتسابقان لقتل أبي جهل، وأحدهما هو الذي قتله فعلاً بالضربة القاضية، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتياه بعد القتل، قال: (أيكما قتله؟ قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال صلى الله عليه وسلم: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا.
فنظر في السيفين، فقال: كلاكما قتله) أي: كلاكما شارك في قتله، لماذا؟ مراعاة للشعور، حتى لا يشعر الشخص الآخر أن ذاك هو الذي أدى المهمة وهو فشل.
ولو رأيت إنساناً في غم، ماذا تحاول أن تفعل؟ تهون عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة النفقة على نسائه، -والرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده النفقة- جلس مهموماً حزيناً، فدخل عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، فقال عمر في نفسه: (لأقولن شيئاً أضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة -يقصد زوجته- سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها -أي: لو أتت وسألتني النفقة وأنا ليس عندي نفقة فوجأت عنقها، ما رأيك في هذا التصرف؟ - فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هن حولي يسألنني النفقة).
فانظر إلى عمر كيف فعل هذا التصرف حتى يخفف عن الرسول صلى الله عليه وسلم.