[كشف العورات وحكمها في العلاج]
من الأمور المهمة -أيها الإخوة- قضية العورات فإنه عند الفحص وعند العمليات يحدث كشف للعورات، ونحن نعلم حرص الإسلام على ستر العورة، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح بقوله: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد) رواه مسلم، والإفضاء هو الملامسة متجردين من الثياب تحت فراش أو تحت غطاء واحد، فالشاهد: كل ما حرم الشرع النظر إليه حرم لمسه هذه قاعدة، فالشرع يحرم النظر إلى العورات، إذاً: لا يجوز لمس العورة.
في باب الطب هناك ضرورات معينة، فهنا لا بد من الرجوع إلى أقوال أهل العلم عن الضرورة، وما هي الضرورة التي تبيح المحظورات؟ لأن بعض الإخوان قد يقول: الضرورة تبيح المحظورات، ويفعل أشياء ليست من الضرورات في شيء، ويكون قد ارتكب المحظور بدون حاجة، وكذلك الضرورة تقدر بقدرها، حتى لو وصلنا إلى نتيجة أن هذا الأمر ضرورة فلا يعني أن نسترسل فيه وأن يأخذ الواحد راحته لأنها صارت ضرورة، لا بد أن تقدر بقدرها مثلاً: المرأة لا يجوز أن يفحصها رجل، هذا أمر محرم في الشريعة، وهو معروف ومتفق عليه مهما رأيت من الحالات وتبلد إحساسك في المستشفى، وقد رأيت مئات من هذه الأشياء ومن حالات النساء مع رجال، فيبقى الأمر حراماً لا يجوز، وهو عند الله إثم عظيم لكن ما توفرت المرأة المؤهلة لفحص هذه المرأة المريضة ماذا نفعل؟ هل نقول لها: تموت، تتضاعف حالتها وتبقى على ألمها؟ لا، في هذه الحالة نقول: يجوز أن يؤتى برجل ليعالج المرأة، وحتى هذا الأمر فيه ترتيب، فأولى الناس بالعلاج المرأة المسلمة، ثم المرأة الكتابية، ثم الرجل المسلم، ثم الرجل الكتابي أو الكافر، فلا يقدم رجل مسلم على المرأة الكافرة، المرأة الكافرة تعالج مع أنها كافرة لماذا؟ لأن الشريعة تحتاط في قضايا الاختلاط، وقضايا الملامسة والنظر إلى العورات احتياطاً شديداً، وهذا الترتيب ذكره أهل العلم.
وهناك أشياء يتوسع فيها الناس وليست ضرورات، فينبغي لك يا أخي الطبيب ألا تستجيب، أو -مثلاً- أتت امرأة لها حالة غير طارئة، ويمكن أن تبحث صاحبتها عن حل وتجد، وأنت تعلم الحل، فلا يلزم أن تكشف عليها، بل تدلها وتقول لها: المستشفى الفلاني فيه نساء، لأنها ليست ضرورة، لكن لو قال: والله ما وجدنا ولا أي مستشفى، وبحثنا على قدر طاقتنا، فهنا يجوز أن تكشف، وأنت لست مكلفاً بالتنبيش عن الناس، هذه هي شغلتهم ومسئوليتهم، لكن أنت إذا كنت تعلم أن هناك حلاً فالمفروض أنك ما تدخل لكي لا تعين على المنكر.
مثلاً: بعض حالات العقم قد يكون هناك رجل امرأته فيها عقم، أو فيها شيء يمنع الإنجاب، فهذه الآن ليست حالة طارئة؛ فإن من الممكن أن تبحث وتواصل البحث عن امرأة وقد تجد، فليس هناك ضرورة أن يكشف عليها رجل إذا لم تجد امرأة الآن؛ لأنها ليست حالة طارئة، لكن لا يعني هذا أن تبقى طيلة عمرها بدون علاج حتى ترى امرأة لا، لكن إن بحثت مع الفترة الزمنية الكافية المقنعة عن امرأة فلم تجد، فلا بأس أن تذهب لتتعالج عند الرجل.
أيضاً حالات الطوارئ، حتى لو أن هناك أناساً في أماكن أخرى فما يكفيك الوقت أن تستدعي المرأة من بيتها لتقول: تعالي، هنا حالة طارئة، أنت الموجود في الطوارئ، إذاً أنت الذي تشرف بنفسك مباشرة.
وهنا ننبه إلى مسألة فيها جانب من التضحية مهم جداً، لكن لأنه ليس فيها احتساب للأجر فلا تعطى هذه القضية حقها أحياناً تنتهي فترة دوام الطبيبة المناوبة أو المشرفة، أو التي موجود في الجدول أنها في الوقت الفلاني، جاءت مريضة بعد انتهاء النوبة، والموجود رجل، فمن المفروض شرعاً -لله- أن هذه الطبيبة التي انتهت فترة النوبة عندها، لكي لا تحرج أختها المسلمة التي أتت للعلاج، وتضطرها للكشف على الرجل، من المفروض أن تكشف عليها ولو كان خارج الدوام، ولو كانت خارج النوبة، وتحتسب الأجر عند الله، والرجل مثلها، لو رأى رجلاً قد أتى، وأنه الآن سيكشف على امرأة وهي الموجودة الآن في العيادة، فيحاول هو أن يأخذ الدور ويأخذ الرجل ويعالجه، وهذه المسألة نابعة من احتساب الأجر عند الله عز وجل، ونابعة من أنك أنت الآن تحاول ألا يقع المنكر، وبالذات في حالات الولادة التي تنكشف فيها من العورات ما الله به عليم أشياء كثيرة جداً.
وللأسف أن الغربيين يراعون هذا الأمر؛ فلو أن امرأة في الغرب في المستشفى قالت: أنا لا أريد إلا امرأة، لأتوا لها بامرأة من أي مكان، حرصاً على نفسية المريض، وعلى النواحي الإنسانية، ونحن لأن القضية كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسألة إسلامية وشرعية نضيعها! فهل الكفار أحسن منا في هذا الجانب؟! مع أنهم ما عندهم وازع ديني يدفعهم لهذا، لكن بمجرد أن طلبت المرأة هذا الأمر، نحن عندنا ليس فقط طلب المرأة، عندنا دين، عندنا قانون إلهي نعمل به، فلا يجوز التفريط بسهولة، والله ما هو موجود عندنا إلا يا فلان دبر نفسك بعض الناس يجيبون إجابات عجيبة، مع أنه قد يمكن التوفير.
نعم.
إن هذه القضية إدارية أكثر من أنها تتعلق بنفس الطبيب، لكن سددوا وقاربوا، ولا بد من التعاون والتكاتف على إيجاد الحلول، وإذا لم أتحرك أنا ولم تتحرك أنت فما الذي يصلح الأمور؟ مثلاً: هناك بعض العلميات قد يجرد المريض فيها من ثياب لا يحتاج إلى إزالتها، أحياناً تكون عملية جيوب أو عملية الغدة الدرقية، فما هو الداعي إلى كشف ثياب المريض من الأسفل؟! أو كشف أشياء من المرأة في الساقين والعملية في الغدة الدرقية أو في الجيوب لماذا تكشف الساقين؟ أو -مثلاً- من باب أن الضرورة تقدر بقدرها ما الداعي لكشف العورة على عمال النظافة؟ فالقضية الآن كلها قضية أطباء، فإذا كان الطبيب يريد أن يطلع عليه أن يترك المجال للمريض كي يغطي، فإن بعض الأطباء يهمل المريض، وقد يكون هذا في السرير، فأنت إذا مررت بين الأسرة والعنابر من المفروض إنك إذا رأيت مريضاً قد كشفت فخذه أو جزء من عورته أن تغطيه حتى لو كان نائماً، فإنه قد يكون مخدراً لا يدري عن نفسه، ولو أنه كان في اليقظة لراعى نفسه ولستر عورته، لكنه مسكين مستسلم بين يديك، المفروض أنت الآن الذي تحرص عليه، أحب لأخيك ما تحب لنفسك، هل ترضى أن تكون عورتك مكشوفة والناس يمرون ويجيئون ويذهبون؟ لا ترضى بهذا، فينبغي أن يكون عندك حرص على هذا الجانب، وعلى ستر عورات المرضى وعدم كشفها إلا في الضرورة، وألا يراها الناس الذين ليس لهم علاقة بالموضوع، أو أنهم مستثنون من الرؤية.