للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأسس التي يرتكز عليها مذهب السلف في الصفات]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: في هذه الليلة نستعرض وإياكم رسالة علمية في أحد موضوعات العقيدة، وهو توحيد الأسماء والصفات، وهذه الرسالة هي رسالة العلامة الشيخ الإمام/ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى، بعنوان: منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات.

وهذه الرسالة تثبت سلفية الشيخ رحمه الله تعالى في عقيدته، وسنعرض لشيء من ترجمته بعد عرض الرسالة بمشيئة الله تعالى، وكانت هذه الرسالة محاضرة قد ألقاها الشيخ رحمه الله في الجامعة الإسلامية في: (الثالث عشر من رمضان، سنة ألف وثلاثمائة واثنين وثمانين للهجرة) ومعلوم ما يشيع عند كثير من الناس المنتسبين إلى العلم في العالم الإسلامي من منهج المتكلمين في الأسماء والصفات، وإنكارهم لكثير من الصفات، وتأويلهم وتحريفهم بالأحرى لنصوص الصفات، ولا شك أن المجتمعات العلمية يكون فيها من هذا كثير، ويصل طلبة العلم إلى كتب ليست على طريقة السلف في الأسماء والصفات، فبين الشيخ رحمه الله تعالى بعض القواعد الأساسية في هذا الموضوع، ونبه في بداية رسالته إلى أمر مهم ألا وهو: أن كثرة الخوض والتعمق في البحث في آيات الصفات وكثرة الأسئلة في الموضوع من البدع التي يكرهها السلف.

وأن مباحث آيات الصفات التي دل عليها القرآن الكريم، ترتكز على ثلاث أسس مهمة.

الأساس الأول: تنزيه الله عز وجل أن تشبه أي صفة من صفاته صفة من صفات المخلوقين، فلا يشبه سبحانه وتعالى أحداً من المخلوقين، ولا تشبه صفاته سبحانه وتعالى أي صفة من صفات المخلوقين كما دل عليه قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، إذاً أولاً: عدم المشابهة، بين الله وخلقه.

الأساس الثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا يصف الله عز وجل أعلم منه سبحانه وتعالى، لا يوجد أحد أعلم بالله من الله {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:١٤٠] وكذلك الإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].

فإذاً القاعدة الثانية: يجب الإيمان بما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أخل بأحد هذين الأصلين وقع في ضلال، وتجرأ على الله عز وجل، ونفى صفات أثبتها الله لنفسه سبحانه وتعالى، والله يثبت ما يشاء لنفسه عز وجل من صفات الكمال والجلال، فكيف يليق بجاهل مسكين أن يتقدم بين يدي رب السماوات والأرض، ويقول: هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك! وهذا الذي وصفت به نفسك يلزم منه النقص! وأنا أريد أن أؤوله وأن ألغيه وأن آتي ببدله من تلقاء نفسي، من غير دليل {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:١٦].

ومن آمن بصفات الله سبحانه وتعالى، فإنه لا بد أن يعتقد أن الله منزه عن مشابهة المخلوقين، فيكون سالماً من التشبيه، وسالماً من النفي والجحد، فهو يثبت الصفة، ويؤمن بأنها لا تشبه أي صفة من صفات المخاليق، هذا هو مضمون قوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١].

فنفى المشابهة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] هذا الركن الأول {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] أثبت لنفسه السمع والبصر، فمن جاء وقال: إن المخاليق المخلوقة والحوادث هذه المحدثة لها سمع وبصر، فكيف نثبت لله السمع والبصر فإنه تشبيه؟ فنقول: كيف يكون تشبيهاً وقد قال هو لما أثبتها لنفسه قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] فالله عز وجل له صفات لائقة بكماله وجلاله، والمخلوقات لهم صفات مناسبة لأحوالهم، وصفات رب السموات سبحانه وتعالى أكمل وأعلى من أن تشبه صفات المخلوقين، فمن نفى عن الله وصفاً أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله، ولا يقول هذا إلا مجنون ضال ملحد لا عقل له، وقد قال الله تعالى في المشركين {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٩٧ - ٩٨] ومن يسوي رب العالمين بغيره، فهو مجنون!