يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قبل الساحل، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح فـ أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بالإضافة إلى كونه أمين هذه الأمة فهو كذلك قائد عسكري مظفر، وله خبرة واسعة في القتال، ولذلك ليس بغريب أن يوليه عمر رضي الله عنه بعد خالد قيادة جيوش المسلمين، القيادة العامة لجيوش المسلمين.
وخرج بهم أبو عبيدة رضي الله تعالى عنه، ولما كانوا في أثناء الطريق فني الزاد، انتهى زاد الجيش، ومعروف أن الجيوش من أهم الأشياء فيها التموين، لأن التموين مهم لاستمرارية التحرك نحو الهدف وتحقيق الهدف والعودة، لكن انتهى الزاد، فما هو الإجراء الذي اتخذه أبو عبيدة رضي الله عنه لمواجهة انتهاء الزاد؟ أمر أبو عبيدة بأزواد الجيوش، فجمع فكان مزود تمر كما في رواية البخاري، والمزود هو: ما يوضع فيه الزاد، فهذا المزود من التمر هو الذي كان يقيتهم أثناء الطريق، كيف كان ذلك؟ كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني، وانتهى.
قال: فلم يكن يعطينا إلا تمرة تمرة كان هناك زاد عام للجيش كله، ولما انتهى الزاد العام جمع أبو عبيدة ما كان عند كل واحد بمفرده، جمعه ثم أراد أن يقسمه على الجميع للمساواة بينهم، فجعله جميعاً في مزودٍ واحد إذاً: الزاد العام الذي زودهم به النبي صلى الله عليه وسلم من قبل كان جراباً، فلما نفد جمع أبو عبيدة الزاد الخاص فخرج جراب أيضاً، لكن غير الأول، ثم فرق عليهم تمرةً تمرة.
فلنتصور الآن أن هؤلاء المسلمين ما معهم إلا تمرة تمرة، والتمر الذي وزع عليهم الأول كان من الجراب النبوي، ولذلك كان زاداً عاماً للجيش وفيه بركة، وبعد ذلك جمع ما تبقى لدى الأفراد لمواجهة الموقف الطارئ، فصار من نصيب الشخص تمرة واحدة، يعطي كل واحد تمرة واحدة، فإذا انتهت التمرة أعطاهم نصيبهم في المرة التي بعدها تمرة أخرى والذي يسمع الرواية يقول: وما تغني عنكم تمرة؟ فهذا وهب بن كيسان من التابعين -رحمه الله تعالى- يسأل جابراً ويقول: يا أبا عبد الله! أين كانت تقع التمرة من الرجل؟ ماذا تغني عنكم تمرة؟ فقال جابر: لقد وجدنا فقدها حين فنيت قال: أنت الآن تقول: ما فائدة التمرة؟ لكن لما فقدنا التمرة هذه التي أنت تستهين بها وجدنا أثر فقدها، أي: أن التمرة كانت تفعل لهم شيئاً عظيماً مؤثراً فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي الثدي، ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل إذاً: طيلة اليوم تمرة واحدة بالمص كما يمص الطفل ثدي أمه، ثم يشربون عليها الماء، هذا زاد يوم كامل، وهذا ما تحمله الصحابة في سبيل الله.
ولذلك هؤلاء هم المجاهدون حقيقةً، هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم الذين ضحوا من أجل هذا الدين، وعلى تمرة واحدة في اليوم يمصونها، ليس بأكل ولا مضغ ما يكفي للمضغ، وعلى الماء، مقاتلين في سبيل الله، انتهى الزاد، وانتهى التمر، حتى التمرة لم تكن موجودة.