وننتقل -أيها الإخوة- الآن لدراسة بعض الحالات التي اهتدى فيها بعض الأشخاص، وإلى أمثلة واقعية لقصص وحوادث حصلت كانت سبباً لهداية بعض الأشخاص، ونصل من خلالها إلى بعض التوصيات التي تهم الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى.
ونعود إلى النقطة التي ذكرناها في البداية وهي أن الهداية تأتي أحياناً من الله سبحانه وتعالى دون سبب من شخص، ما يكون هناك شخص، لكن شيءٌ يحدثه الله في نفس المهتدي، فالله سبحانه وتعالى يهدي أناساً بأحداث يجريها، ليس لأحد من الدعاة فيها دور ولا حتى سبب، والتمعن في هذه النقطة مهم حتى لا يغتر الدعاة بأنفسهم، أو يظنوا أن الهداية لا بد أن تأتي عن طريقهم، لا، إنهم أحياناً يعملون ويعملون يريدون هداية شخص ولا يهتدي، وأحياناً يفاجئون بأن فلاناً قد اهتدى مع أن أحداً من هؤلاء الدعاة لم يحتك به مطلقاً، ذلك ليعلم هؤلاء أن الهداية من الله سبحانه وتعالى، قد تكون بسببهم، وقد تكون بسبب آخر ليس على طريقهم، الهداية من الله، ما هم -أي: الدعاة- إلا مجرد أسباب يجري الله على أيديهم الخير.
ومن الأمثلة على أن الهداية التي تأتي بعض الناس لا يكون لأحد من الدعاة فيها شيء، لو سألنا بعض المهتدين المستقيمين، قلنا لهم: ما سبب هدايتكم؟ -وسلف في البداية- قلت: لو أن بعضكم يعود بذهنه إلى الوراء ممن هداه الله واستقام، ويتذكر السبب الذي غير حياته، ونقله من معسكر أهل الفسق إلى معسكر أهل الإيمان والتوحيد، هذا السبب التأمل فيه مهم يزيد الإنسان إيماناً، أحياناً يرى الشخص رؤية، أو يقع له حادث، أو يمرض مرضاً ويتغير، وينقذ بهذه الحادثة ويهتدي، ولم يكن هناك داعية اقترب منه، ولا إنسان ناصح تكلم معه، ولا أحد وعظه، تغير من تلقاء نفسه، هذا موجود في الواقع، تغير بفعل هذه الرؤيا التي رآها، أو هذا الحادث العنيف الذي حصل له، أو المرض الخطير الذي أصابه، لكن ما مهمتنا نحن الدعاة إلى الله عز وجل عند حصول هذا الشيء، لنا مهمة وعلينا واجب وهي أن نسعى لتعميق وتأصيل ما حصل لهذا الرجل بالعلم النافع والصحبة الطيبة واستمرار الوعظ.
فإذا رأيت رجلاً قد اهتدى وتأثر من شيء لا سبب لك فيه، ولا تدخل أحد من الناس علمت عنه، الله سبحانه وتعالى قدمها فرصة لك أنت، وتخطى هذا الشخص بفضل الله العقبة الأساسية؛ لأن الانتقال حصل، الإكمال أسهل الآن؛ لأن الرجل تغير حاله، فوظيفتك أنت إذاً المتابعة، الرجل يحتاج إلى تعليم، يحتاج إلى وسط طيب، صحيح النقلة الأساسية حصلت، فضل من الله ومنة ليس لي ولك، ولا لأي أحد من الدعاة، ولا لأي أحد من طلبة العلم أو الوعاظ فضل فيها ألبتة، النقلة حصلت، لكن يجب علينا المتابعة في حال هذا الشخص؛ لأن التأثير أحياناً لا يستمر ويكون تأثيراً مؤقتاً، إذا لم يتابع الرجل، أو لم تتابع المرأة هذه من قبل صاحبات طيبات، تعود إلى الانتكاس مرة أخرى.