أيها المسلمون أيها الإخوان يا عباد الله! هذه ذكرى للشاب، أما وخطه الشيب، وأمد الله في عمره، وتخطاه الموت في سن الشباب، فإن شيبه نذير الموت.
تقول النفس غير لون هذا عساك تطيب في عمرٍ يسيرِ
فقلت لها المشيب نذير عمري ولست مسوداً وجه النذيرِ
قال صلى الله عليه وسلم:(من شاب شيبةً في الإسلام، كانت له نوراً يوم القيامة).
إذا جاءنا هذا الأمر من الله، فهل إلى الطبيب من سبيل فيدعى الأطباء؟ أو إلى الشفاء من طريق فيرجى الشفاء؟ ما يقال إلا فلانٌ أوصى، وماله أحصى، قد ثقل لسانه، فلا يكلم إخوانه، ولا يعرف جيرانه، قد عَرِقَ الجبين، وتتابع الأنين، وثبت اليقين، وصدقت الظنون، وتلجلجت اللسان، وبكى الإخوان، هذا ابنك فلان، وهذا أخوك فلان، قد منعت من الكلام فلا تنطق، وختم على لسانك فلا ينطق، ثم حل بك القضاء، وانتزعت النفس من الأعضاء، ثم عرج بها إلى السماء، فاجتمع عند ذلك إخوانك، وأحضرت أكفانك، فغسلوك وكفنوك، فانقطع عُوادك، واستراح حُسَّادك، وانصرف أهلك إلى مالك، وبقيت مرتهناً بأعمالك.
قال سفيان الثوري -رحمه الله- مبيناً حال شيخ كبير في استعداده للموت: رأيت شيخاً في مسجد الكوفة يقول: أنا في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، أنتظر الموت أن ينزل بي لو أتاني، ما أمرته بشيء، ولا نهيته عن شيء، ولا لي على أحد شيء، ولا لأحد عندي شيء، أنتظر الموت، أنتظر أمر الله على عبادة وطاعة.
أما نحن فلو أتانا الموت فقرع بابنا، واستأذن للولوج -ولن يستأذن- لاحتجنا إلى سنوات طويلة نرتب أمورنا، ونسدد حقوقنا، ولكن السلف كانوا على استعداد دائم.
انظر -يا أخي- في غدك، ودنو أجلك، وقلة عملك، فقد كتب بعض أهل الحكمة إلى رجل من إخوانه: يا أخي! احذر الموت في هذه الدار قبل أن تصير إلى دار تتمنى الموت فيها فلا تجده، يتمنى الموت في ذلك اليوم:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:٧٧] فلنحذر في هذه الدار قبل أن نصير إلى دار يتمنى فيه الموت فلا يحصل.
قال يحيى بن معاذ رحمه الله: مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما للعبد في ماله عند الموت، قيل: وما هما؟ قال: يؤخذ منه كله، ويسأل عنه كله.
فأي مصيبة في المال أعظم من هذه؟ لو احترق، أو ذهب في الدنيا، فسيأتي البديل، لكن عند الموت يؤخذ منه كله، ولا يأتي البديل، ويسأل عن كل درهم من أين اكتسبه وفيم أنفقه.