بالنسبة لصفات الطبري الخَلْقِية وعاداته رحمه الله فقد كان أسمراً يميل إلى الأدمة، أعين -أي: واسع العينين- نحيف الجسم، طويل القامة، فصيح اللسان، أسود الشعر، وبقي السواد في شعر رأسه ولحيته إلى الوفاة، وظهر فيه بعض الشيب ولم يغيره، وكان يأكل الخبز من الدقيق الأبيض بعد غسل القمح أو نزع قشره؛ لأن مذهبه أن الشمس والنار والريح لا تطهر نجساً، وكان يأكل العنب والتين والرطب، ويشرب حليب الغنم التي ترعى بعد أن يصفى ويوضع على النار، حتى يذهب منه جزءٌ، ويصنع الثريد من الخبز، ويضاف إليه الصعتر -وهو الذي يعرفه الناس الآن بالزعتر- وحبة البركة والزيت، وكان يأكل الحصرم في وقته، وهذا من اعتداله رحمه الله في أكله، وكان يأكل اللحم الأحمر الصرف بعد أن يطبخه بالزبيب، ويتجنب اللحم السمين، ويقول عنه: إنه يلطخ المعدة، كما كان يتجنب السمسم والعسل، وكان يتجنب أكل التمر، ويظن أن التمر يلطخ المعدة، ويضعف البصر، ويفسد الأسنان، ويفعل في اللحم كذا وكذا، يعني هذا من مرئياته وتجاربه الخاصة.
ومن اللحم اللطيف لحم الكتف الذي كان يأكله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اللحم الغليظ لحوم العضلات ولحم الفخذ مثلاً، ولما عاتبه أحد أصحابه وهو أبو علي الصواف، وقال له: أنا آكل التمر طول عمري ولا أرى إلا خيراً وأنت لماذا لا تأكل التمر؟ فرد عليه الطبري فقال: وما بقي على التمر أن يعمل بك أكثر مما عمل، قال: انظر إلى نفسك، وكان الصواف قد وقعت أسنانه، وضعف بصره، ونحف جسمه، وكثر اصفراره، وكان الطبري رحمه الله يتجنب الثلج؛ لأنه يؤذي الحلق، وكان يداوي نفسه ويتعالج بالأدوية، ويعتمد على كتاب فردوس الحكمة الذي ألفه علي بن زين، وسمعه منه مباشرة وكان يصف الأدوية من هذا الكتاب للناس.
ومن آداب الطبري في الأكل: أنه كان إذا تناول اللقمة سمى ووضع يده اليسرى على لحيته ليقيها من الدسم، فإذا حصلت اللقمة في فيه أزال يده، ويتناول الطعام لقمة لقمة من جانب واحد من القصعة، وكان من وجوه القوم في مدينة السلام، وقال عنه محمد بن إدريس الجمال: حضرنا يوماً مع أبي جعفر الطبري وليمة، فجلست معه على مائدة، فكان أجمل الجماعة أكلاً وأظرفهم عشرة، كان قدوة رحمه الله حتى في طعامه.
وكان الطبري إذا جلس لا يكاد يسمع له تنخم ولا تبصق ولا يرى له نخامة، وإذا أراد أن يمسح ريقه؛ أخذ ذؤابة منديله -طرف المنديل- ومسح جانبي فيه.
والآن بعض الناس تراه في المجلس يتنخم ويبصق، ويأتي بجميع الأصوات ويتجشأ في عرض المجلس، وهذا مخالف للأدب.
وقال هذا الرجل الذي يصفه: ولقد حرصت مراراً أن يستوي لي، مثل ما يفعله، فيتعذر علي اعتياده، أي: يمكن أن يحصل لي بعض المرات بتكلف، إنما ما استطعت أن يصبح لي عادة، قال: وما سمعته قط لاحناً ولا حالفاً بالله عز وجل، لغته مستقيمة وما كان يحلف بالله تعالى هيبة من القسم.