والورع المشروع هو: اتقاء ما يخاف أن يكون سبباً للذنب والعذاب مع عدم المعارض الراجح -كما ذكر في موضع آخر شيخ الإسلام رحمه الله في تعريفه- وذُكر أيضاً من معاني الورع: فعل المستحب الذي يشبه الواجب، وترك المكروهات التي تشبه الحرام، فهنالك أمور واجبة، وأمور مباحة، وأمور محرمة، وبين الواجب والمباح يوجد المستحب، وبين المباح والمحرم يوجد المكروه، هذه الأشياء البينية ليست على درجات واضحة في القطع، بحيث إنك في جميع الحالات تقول هذا مكروه (١٠٠%) لا يمكن أن يكون حراماً مثلاً أبداً في جميع الأشياء.
بعض الأشياء تأتي فيها نصوص وفيها نوع من التباين، بحيث إنك تتردد في هذا الأمر هل هو مكروه أو محرم؟ وفي بعض المسائل تأتي أشياء ونصوص تقول لك بأن هذا الأمر يكاد يصل إلى الوجوب، هب مثلاً أنك أخذت موضوع السترة، ودرست النصوص الواردة في السترة، فتبين لك أن السترة فيها نصوص واردة في فضلها لا شك، وفيها نصوص واردة تقريباً تؤدي إلى وجوبها، وتقرأ أن جموع أهل العلم على أن السترة مستحبة، وقالت طائفة من أهل الحديث بوجوب السترة.
لكن ما هو الورع عندك الآن؟ الورع أنك إذا صليت أن تصلي إلى سترة، لأن هذا الأمر فيه نصوص تقربه من الوجوب، ولا تستطيع أن تقول هذا مستحب (١٠٠%) بحيث إني أطمئن إلى كونه مستحباً تماماً، وأنه لا يمكن أن يكون واجباً لأن فيه نصوصاً فيها تشديد على هذا الأمر والأخذ به.
ولذلك فإن العبد الصالح الذي ينوي إصلاح قلبه، يفعل المستحبات التي تشبه الواجب، وينتهي عن المكروهات التي تشبه المحرم، وتأمل في حديثه صلى الله عليه وسلم:(الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه،- فعلوا الأحوط، فعلوا الورع- ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام).
وذلك لأن الشخص عندما يتدرج في الأمور، ويفعل الأشياء المكروهة ولا يبالي، فإن هذا الفعل منه سيؤدي إلى أن يتساهل فيها حتى يأتي عليه يوم يقع فيه في الأمور المحرمة، فأول شيء يفعل الأشياء المكروهة كرهاً يسيراً، خلاف الأولى، ثم بعد ذلك يفعل الأشياء المكروهة، ثم يفعل الأشياء المكروهة جداً، ثم يفعل الأشياء المكروهة كراهية تحريمية، ثم يقع في الحرام القطعي، وهذا شيء طبيعي؛ لأن الذي يتدرج وينزل لا بد أن يصل إلى أسفل السلم، وفي النهاية يقع في المحرمات.
وخير الورع الكف -الترك- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) هذه قاعدة مهمة في الورع، كل شيء اشتبهت فيه اتركه إلى شيء لا تشتبه فيه.
والإثم: أحياناً تجد أحدهم يسأل المفتين ويقول: أفتوني في كذا، أفتوني في كذا، وهو نفسه متحرج من المسألة، وقد يأتي بأشياء إلى المفتي يزين له المسألة بحيث يقول له المفتي افعل ولا حرج، وهو الذي زخرف المسألة، ولكنه في نفسه يعلم من التفاصيل التي لم يذكرها للمفتي مثلاً، أن الأمر هذا فيه حرام، وفيه أشياء:(الإثم: ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس).
فما أنكره قلبك فدعه، إذا أحسست بالأمر أن قلبك ليس مطمئناً إلى هذا الأمر، وغير مستريح إلى هذا الأمر فماذا تفعل؟ تتركه، هذا هو الورع، والورع ينتج من أي شيء؟ متى يتورع الإنسان؟ إذا خاف من الله، الورع مرتبة تنتج من الخوف، والخوف يثمر الورع:(اتق المحارم تكن أورع الناس) هذا حديث صحيح يبين أن من أهم درجات الورع، اتقاء المحارم:(اتق المحارم تكن أورع الناس).