وكذلك من الأفكار الهدامة أيضاً: الدعوة إلى الوطنية، وهي تقديس الوطن بحيث يصير الحب فيه، والبغض لأجله، والقتال من أجله، وإنفاق الأموال من أجله، حتى يطغى على الدين، وتحل الرابطة الوطنية محل الرابطة الدينية، وهذه أيضاً الدعوة من الدعوات الكفرية الإلحادية التي يقصد بها تمزيق العالم الإسلامي إلى قطع، يتعصب كل أصحاب أرض لأرضهم فيحصل الشقاق والتباعد بين أبناء المسلمين، فالكيان الإسلامي الواحد في المجتمع الإسلامي الكبير.
والرسول صلى الله عليه وسلم يوضح أن أقوى وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله، وعندما تصبح القضية أساسها وطني فإن الإنسان يصل إلى عبودية هذا المبدأ ويصبح قد عبد الوطن من دون الله.
وبالمناسبة فإن مصر وهي كبرى أو من أكبر البلاد الإسلامية كانت مستهدفة جداً، ولذلك نشأت فيها التيارات قبل غيرها من البلدان، ثم تلاها بلاد الشام وغيرها، لأن في مصر طاقات هائلة من المسلمين، ولذلك ركز عليها أكثر من غيرها، لأن هذا الجناح لو طاح لا يستطيع الطائر الإسلامي أن يطير أبداً.
وبداية نشأة الدعوة إلى الوطنية كانت عندما أرسل اللمبي برقية إلى وزارة الخارجية البريطانية يقول: إن الثورة تنبع من الأزهر، وهذا أمر له خطورته البالغة، أفرجوا عن سعد زغلول وأرسلوه إلى القاهرة.
وجاء سعد زغلول وقرت به أعين الإنجليز فصرف الثورة من ثورة دينية تنبع من الأزهر وتنادي بجهاد الكفار إلى ثورة وطنية تنادي بتحرير التراب؛ التراب عندهم أهم من الدين، فقد يعيش فوق التراب ملاحدة، نفس أبناء البلد لكن في إلحاد، ماذا استفدنا من تحرير التراب؟ ولذلك قال سعد زغلول قولته المشهورة: الدين لله والوطن للجميع! ما معناها؟ معناها: ليس لنا علاقة بالدين، فالدين لله وهو من يرفع الدين، وهو الذي يتولى الدفاع عنه، نحن علينا الوطن، وكذلك حتى يحدث له الاتحاد مع الأقباط، فلذلك دخل النصارى مع التيارات الوطنية وتحولت الحركات الجهادية الإسلامية ضد الاستعمار الصليبي إلى حركات وطنية، وسهل الاستعمار أن يتفاهم معها، الاستعمار ما يمكن أن يتفاهم مع الحركات الإسلامية، لكن يمكن أن يتفاهم مع الحركات الوطنية، ولذلك حصل الخلل في تلك الثورة ونحي الإسلام عن الحكم، وقال سعد زغلول قولته المشهورة: الإنجليز خصوم شرفاء معقولون.
وقال غيره وهو لطفي السيد الملقب بأستاذ الجيل مع الأسف يقول: إن الإنجليز هم أولياء أمورنا في الوقت الحاضر، وليس السبيل أن نحاربهم، ولكن السبيل أن نتعلم منهم ثم نتفاهم معهم.