وأما بالنسبة لعفته في لسانه ونظافة ذلك، فإنه كان رحمه الله عفيف اللسان، يحفظه عن كل إيذاء، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لـ معاذ:(ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فأخذ بلسانه، وقال: كف عليك هذا -ثم قال له في آخر الحديث- وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) وقد سبق أن ذكرنا قصة داود بن علي الظاهري عندما ناقشه ابن جرير الطبري في المجلس، ذاك يأتي بحجة والآخر يرد على حجة الآخر، وابن جرير رد أثناء المناقشة ووقف الكلام على داود، فما استطاع أن يأتي داود برد، فشق ذلك على أصحاب داود، فشيخهم أحرج وأفحم في المناقشة، فقام رجل من تلاميذ داود وتكلم بكلمة موجعة لـ أبي جعفر، لماذا أفحم شيخه؟ فأعرض عنه ولم يرد عليه {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً}[الفرقان:٦٣] وترفع عن جوابه، وقام من المجلس، وصنف كتاباً في هذه المسألة والمناظرة، أدب المناظرة وأدب الحديث نتيجة الموقف؛ شيء رائع ومفيد، أما أن ندخل في مهاترات مع شخص قليل الأدب؛ فهذا ليس من أخلاق أهل العلم.
وقال أبو بكر بن كامل:"سألت أبا جعفر عن المسألة التي تناظر فيها هو والمزني، فلم يذكرها".
رفض أن يحدث بها؛ لأنه كان أفضل من أن يرفع نفسه، أو أن يذكر ظفره على خصم في مسألة.
وكان أبو جعفر يفضل المزني، فيطريه ويذكر دينه، مع أنه فاق المزني وأفحمه.
وتناظر الطبري مع عبد الله بن حمدان في الدينور -بلد ينسب إليها فيقال: الدينوري- عند رجوعه إلى طبرستان، وأغرب أبو جعفر عليه ثلاثة وثمانين حديثاً، أي: أتى له بثلاثة وثمانين حديثاً لا يعرفها ابن حمدان، وأغرب عليه ابن حمدان بثمانية عشرة حديثاً فقط، مع محافظة الطبري على أدب المناظرة وحفظ اللسان ويكتفي بالقول: هذا خطأ من جهة كذا ومثلي لا يذاكر به فيخجل -أي: الآخر- وينقطع.