[العجب والكبر سبب مباشر للسقوط]
ومن الأسباب كذلك: الكبرياء والتعالي على خلق الله، وبالذات على إخوانه المستقيمين، ومما اشتهر في كتب التاريخ حادثة ارتداد جبلة بن الأيهم، وإن كانت قد وردت من طريق الواقدي وغيره، فهذه القصة التي ملخصها: أن جبلة كان نصرانياً من ملوك غسان، فأسلم وجاء يطوف بالكعبة فوطئه رجل على إزاره؛ فصفعه جبلة صفعةً هشمت عينه، فرفع الأمر إلى عمر، فقال: لا بد من القود، فلما رأى الرجل أنه سيقاد منه، وهو ملك من أجل رجل من مزينة ضعيف، فلما عرف أنه سيطبق عليه الحكم هرب في الليل وولى ورجع إلى النصارى، فعاش في أكنافهم حتى مات.
وهذه القصة لها روايات مختلفة.
والمقصود: أن الكبرياء والتعالي من أعظم الأسباب، وهذا الكبر والغرور يؤدي بالإنسان إلى السقوط في مهاوي لا يعلمها إلا الله، ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك: أن عالماً من العلماء ألف كتباً في العقيدة السلفية ندر أن يؤلف مثلها، ومن أعظم كتب هذا الرجل كتاب: الصراع بين الإسلام والوثنية، الذي رد فيه على أناس كثيرين من أهل الضلال، وتجد فيه من قوة الحجة والجودة في الرد ما لا تجده في مكان آخر.
على سبيل المثال: احتجاج البعض بآية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:٦٤] الذي احتج بها بعض المبتدعة على إتيان قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ميت وطلب الاستغفار منه وما يتبع ذلك من الانحرافات استدلوا بهذه الآية، تجد هذا الرجل قد رد في كتابه رداً عظيماً مفحماً على أولئك.
وكذلك له عدة مؤلفات في نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وهذا الرجل بعد فترة من الزمن أصبح ملحداً من الملاحدة، وذهب إلى بلاد الكفار وعاش عندهم، وهو قريب العهد جداً بتاريخنا، كان بداية انحرافه ظهرت في كتاب له يسمى: هذه هي الأغلال، هذا الرجل درس في الهند ورحل إلى مصر، وكان رفيق رحلته في إحدى الرحلات الشيخ عبد الله بن يابس رحمه الله، هذا الرجل كان يعيش في القصيم، ويسمى عبد الله بن علي القصيمي، وقصته معروفة مشهورة، وكان أبوه مصرياً من جيش محمد علي، وأمه من البلاد التي عاش فيها من القصيم، ثم إن الرجل ترعرع ونشأ وطلب العلم ونبغ فيه، فألف هذه المؤلفات العظيمة حقيقةً مثل كتاب: الصراع بين الإسلام والوثنية، ولكن الرجل كان عنده من الكبر في نفسه شيئاً كبيراً جداً لدرجة أنه يقول:
ولو أن ما عندي من العلم والفضل يوزع في الآفاق لأغنى عن الرسل
يقول: لو أن ما عندي من العلم والفضل يوزع على الناس كلهم في الآفاق لأغنى عن إرسال الرسل.
ويقول في مواضع: أنا عندي من الطاقات والإمكانيات والنبوغ والذكاء ما يبرر لي تكبري واستعلائي، بدأ ينحرف وألف كتاب: هذه هي الأغلال، ورد عليه مجموعة من خيرة العلماء، منهم الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة، والشيخ صالح السويع في كتاب: بيان الهدى من الضلال في الرد على صاحب الأغلال، والشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، وكان أجود من رد عليه الشيخ عبد الله بن يابس رحمه الله رفيقه في رحلته، وهو يعترف بهذا، يقول: ولم يرد علي أحد مثل عبد الله بن يابس.
هذا الرجل تطورت به الأمور أكثر فأكثر حتى ألحد وألف كتباً، منها: " العالم ليس عقلاً "، " هل لهذا العالم من ضمير "، " الكون يحاكم الله " وكتب أخرى فيها الكفر والزندقة والإلحاد الواضح، وذهب إلى بلاد الكفار؛ لأنه لا يمكن أن يعيش بين المسلمين.
ما هو سبب ردة هذا الشخص؟ قضية الكبر والعجب، هذا الكبر الذي وقر في نفسه، مع أنه لا ينقصه العلم، لكن هذا الذي حدث.
وبعض الناس الآن من صغار طويلبة العلم تجد أنهم يطلقون عبارات عجيبة في أثناء كلامهم، قد يكتب كلاماً بسيطاً، ثم يقول: فاظفر بهذا التحقيق، أو هذا عزيز نفيس قلما تجده، وهذه الجمل قد تعاب على بعض كبار العلماء، فكيف ببعض الصغار الذين ما تمكنوا بعد وكيف يطيروا ولما يريشوا؟! ما نبت لهم ريش على أجنحتهم حتى يطيروا في سماء العلم، فهذه العبارات التي تنبئ عن العجب والغرور، وهي تعبير عن العجب في النفس وهو سبب مباشر للسقوط.