عباد الله إذا كان الله قد أباح لنا أكل الصيد الذي صاده الكلب المعلم، وإذا صاده كلب غير معلم لا يؤكل {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}[المائدة:٤] فلولا فضل العلم لكان فضل صيد الكلب المعلم والجاهل سواء، وقد علمه كيف يصيد، وكيف يمسك لصاحبه، فما بالك بمن تعلم الكتاب والسنة! (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) إذا رأيت نفسك تتجه إلى الفقه، تتجه إلى العلم، تتجه إلى فهم الكتاب والسنة، فاعلم أنك ممن أراد الله بهم خيراً (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) فخذ بهذا الحظ الوافر يا أيها الشاب، يا عبد الله، يا أيها الكبير ويا أيها الصغير خذ من هذا الحظ الوافر الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم.
مسألةٌ واحدة تتعلمها وتعلمها لولدك، أو تعلمها لأخيك، أو تعلمها لصاحبك وصديقك، أو تعلمها للناس والعامة تستفيد بها أجراً بعد موتك، قال عليه الصلاة والسلام في الأربع من عمل الأحياء التي تجري للأموات:(ورجلٌ علم علماً، فعمل به من بعده، له مثل أجر من عمل به من غير ينقص من أجر من يعمل به شيء).
عباد الله لو علمنا شخصاً كيفية الصلاة، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإن هذا المعلم ولا شك يكون له أجر عظيم حتى بعد وفاته، فقوموا بالعلم والتعليم.
(فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وإن الله عز وجل وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) فلنحتسب الأجر في هذا التعليم، نعلم الناس الخير، ولا يمكن أن نعلمهم إلا بأن نتعلم، فإننا لا يمكن أن نعلمهم ونحن جهال، لابد أن نتعلم، أن نبلغ ولو آية، إذا علمناها وعلمنا معناها بلغناها فكتب لنا أجر عظيم، لماذا تنصرف النفوس عن هذه العبادة العظيمة؟ يا عباد الله إنه فخرٌ وشرفٌ في الدنيا والآخرة، إن العلماء يحضرون ربهم يوم القيامة ويقفون بين يديه مكرمين منعمين يتقدمهم معاذ بن جبل بين أيديهم برمية حجر؛ لأنه أعلم الناس بالحلال والحرام بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه كما أخبر.
عباد الله ما هو أفضل من أن يستغفر لك الحوت في البحر والدواب وحتى النمل تستغفر لطالب العلم؟ ما هو أفضل من أن تضع الملائكة أجنحتها لك إذا سلكت سبيلاً في طلب العلم سواء كان في درس تذهب إليه أو في كتاب تشتريه لتفتحه وتقرأ فيه؟ أي فضل عظيم هو ذاك وفَّره الله عز وجل لطلبة العلم الشرعي الذين يتعلمون الكتاب والسنة.