لما كانت الدنيا بالنسبة للمؤمنين في الغالب دار مصائب وآلام واختبار وامتحان، لأن الواحد يعاني من الشدة وهو يرى هذه الفتن أمامه ثم يصبر، فالمؤمن إما أن يكون مبتلى بأذى العدو نتيجة للتمسك بدينه، وكذلك يكون مبتلى بوطأة الدنيا على حسه وهو يقاومها ويدافعها.
هذا فيه شدة على النفس، لما كانت الدنيا هي كل شيء بالنسبة للكفار ومنتهى أمال الكفار فهم لا يرجون ورائها شيئاً لأجل هذه الأسباب قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) لما سأل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، الزوج الكريم النبي المعصوم الزيادة في النفقة أنزل الله آية التخيير، وهي قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}[الأحزاب:٢٨] أعطيكن من المال ما شئتن ثم أفارقكن {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}[الأحزاب:٢٩] فرضين بقلة النفقة، واخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فلذلك هن زوجاته في الآخرة عليه الصلاة والسلام، فلا يحل لأحد أن ينكحهن من بعده.
لما كانت الدنيا فتناً، وكانت الدنيا بهرجاً، وكانت الدنيا زينة، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالتقلل منها وقال:(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وعد نفسك من أهل القبور، وكان عليه الصلاة والسلام مثلاً في هذا (فلما دخل عليه عمر في قصة الإيلاء وكان عليه الصلاة والسلام على حصير -ما بينه وبين الحصير شيء- وتحت رأسه وسادة من أدم -يعني من جلد- حشوها ليف وإن عند رجليه قرضاً مضبوراً -أي: مجموعاً- وعند رأسه أضباً معلقة -وهو الجلد غير المدبوغ- فرأى عمر أن الحصير أثر في جلد النبي صلى الله عليه وسلم فبكى، فسأله عليه الصلاة والسلام: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله! إن كسرى وقيصر فيما هما فيه من النعيم وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحصير؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بالعبارة الذهبية: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة) حديث صحيح.
وكان عليه الصلاة والسلام يقول:(مالي وللدنيا وما للدنيا ومالي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من النهار ثم راح وتركها) حديث صحيح.
كان عليه الصلاة والسلام يرفض وجود الأشياء التي تشغله عن الله وذكره (كان ل عائشة ستر فيه تماثيل طير فلما رآه عليه الصلاة والسلام قال: يا عائشة! حوليه فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا) حديث صحيح.