[سبب الوقوع في المعصية بعد الإقلاع عن معصية أعظم]
بعض الناس -أيها الإخوة- يقلعون عن المعاصي، ويتشبثون بمعاص أخرى، ما هو السبب؟ السبب: لأنه يتوب من معصية؛ لأن وزرها أعظم، ويتشبث بمعصية أخرى؛ لأن وزرها أخف، هكذا يعتقد، يتوب من الزنا لكنه يبقى مصمماً على النظر إلى المرأة الأجنبية، سواء كان في التلفاز أو الجرائد والمجلات أو الشارع أو السوق.
لماذا يصمم بعض الناس على النظر إلى المرأة الأجنبية لكنه لا يقع في الزنا؟ لأنه يعتقد أن الزنا إثمه كبير، أما النظر إلى المرأة الأجنبية فإثمه قليل، فذلك لا بأس بفعله.
وهذا مدخل خطير؛ لأن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة كما هي القاعدة عند أهل السنة.
وإما لغلبة داعي الطبع عليه.
كمن طبعه متعود على معصية، لكن معصية أخرى ليس متعوداً عليها، فيترك المعصية الأخرى ولا يأتيها؛ لأنه غير متعود عليها، ويصمم على المعصية التي هو متعود عليها.
وآخر أسباب المعصية حاضرة أمامه، بينما أسباب المعصية الأخرى ليست حاضرة أمامه.
مثلاً واحد يزني؛ لأنه يعرف الزانيات، والسبيل إلى الوصول إليهن سهل، لكنه لا يستعمل المخدرات؛ لأن سبيل الوصول إلى المخدرات صعب، فلذلك هو يقع في الزنا، لكنه لا يستعمل المخدرات، هذه أحد الأسباب التي تجعل الناس يقعون في ذنوب ويتركون ذنوباً أخرى.
وإما لاستحواذ قرنائه وخلطائه عليه، فيزينون له معاصي، لكن لا يزينون له معاصي أخرى، فيقع في هذه المعصية مجاراة لأصحاب السوء الذين يزينون له هذه المعصية.
وإما لجاه وحظوة لا تطاوعه نفسه على إفساد جاهه بالتوبة، كما قال أبو نواس لـ أبي العتاهية وقد لامه على تهتكه في المعاصي:
أتراني يا عتاهي تاركاً تلك الملاهي
أتراني مفسداً بالنسك عند القوم جاهي
هذا الرجل جاهه عند الناس أن يفعل المعاصي، لو أقلع عن المعاصي ما صارت له قيمة عند الناس، وزالت أهمية منصبه، فهو لذلك يقترف المعاصي لكي يبقي على حظوته وجاهه عند الخلق.