للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من نواقض الإيمان: النفاق]

أيها الإخوة! من نواقض الإيمان النفاق، والنفاق: إظهار القول باللسان أو الفعل، بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد، بأن يستر كفره ويظهر إيمانه.

وكلمة "النفاق" اسم إسلامي لم يعرفه العرب من قبل، فالإسلام هو الذي جاء بكلمة النفاق ومعناها هذا، فلم تكن موجودة عند العرب ولا يعرفونها من قبل، والنفاق كالكفر يوجد نفاق مخرج من الملة ونفاق غير مخرج من الملة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: فمن النفاق ما هو أكبر يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار كنفاق عبد الله بن أبي وغيره؛ بأن يظهر تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا ضرب النفاق الأكبر.

أما النفاق الأصغر فهو النفاق في الأعمال ونحوها.

إذاً النفاق المخرج من الملة لا شك أن النفاق الاعتقادي داخل فيه، لكن ليس هو نفاق تكذيب فقط، فمن حصر النفاق المخرج من الملة بالنفاق الاعتقادي فلعله قصد نفاق التكذيب وهو أن يظهر الإيمان وهو مكذب بقلبه، والأقرب والله أعلم تقسيم النفاق إلى أكبر وأصغر، وأن النفاق الأكبر لا يسقط بالجانب الاعتقادي فقط، وهذه مسألة مهمة؛ لأن بعض الناس يعتقد أن النفاق الأكبر الذي يخرج عن الملة فقط هو النفاق الاعتقادي (إظهار الإسلام وإبطان الكفر) فيقال: إن الله ذكر في القرآن خصالاً عن المنافقين تكفرهم -وهي أعمال- مثل: تنقيصهم للرسول صلى الله عليه وسلم وسخريتهم بالمؤمنين: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:٦٦] ومناصرتهم للكفار، ومناصرة الكفار عمل.

إذاً: نعرف أن النفاق الأكبر الذي يخرج من الملة ليس فقط أن الإنسان يظهر الإسلام والقلب مكذب، فقد يكون منافقاً نفاقاً أكبر يخرج عن الملة بأشياء يعملها، مثل: مناصرة الكفار على المسلمين، فلو أن إنساناً ناصر الكفار على المسلمين فهذا كافر وعمله كفر.

أيضاً ليس كل نفاق اعتقادي مخرجاً عن الملة، أليس الرياء قلبياً؟ الرياء أليس عملاً قلبياً؟ وليس من الأشياء العملية، ليس نفاقاً عملياً كالكذب وإخلاف الوعد، ومع ذلك إذا كان الرياء يسيراً لا يكفر صاحبه.

إذاً: لابد أن ننتبه في قضية النفاق الاعتقادي والنفاق العملي إلى أنه ليس كل نفاق اعتقادي متعلق بالقلب يكفر صاحبه كيسير الرياء، وليس كل النفاق العملي لا يكفر صاحبه، فبعض النفاق العملي يكفر صاحبه هذه الخلاصة.

إذاً: النفاق ينقسم إلى قسمين: نفاق أكبر ونفاق أصغر، والنفاق الأصغر معروف كما جاء في الحديث: (آية المنافق ثلاث: إذ حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) والنفاق الأصغر نوعاً من الاختلاف بين السريرة والعلانية لكن لا يصل إلى الكفر، وذلك كالرياء الذي لا يكون في أصل العمل، ومثال ذلك: إظهار مودة أخ والكيد له بالسر، هذا نوع من النفاق لكنه ليس مكفراً، اللهم إلا إذا كان يكيد للنبي صلى الله عليه وسلم أو للمسلمين لأنهم مسلمون.

والنفاق الأكبر يدخل فيه كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن صاحبه مخلد في النار في الدرك الأسفل مثل نفاق عبد الله بن أبي وغيره بأن يظهر تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه.

ما الفرق بين الكافر والمنافق؟ إذا كان الكافر يظهر تكذيب الرسول وأنت تقول: إن المنافق يظهر تكذيب الرسول! ممكن يظهر يعتبر من المنافقين، ف

الجواب

أن الكافر لا ينطق بالشهادتين، ولا يقول أنا مسلم، ولا يدعي الإسلام، ولا يصلي مع المسلمين، لكن المنافق يقول: أنا مسلم، وينطق بالشهادتين ويصلي مع المسلمين.

كيف صار منافقاً نفاقاً أكبر؟ بأمور كثيرة: منها: أن يظهر تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام، وعبد الله بن أبي قال شيئاً من هذا، ولذلك لا يشترط عندما نقول: منافق أكبر أنه لا يظهر منه شيء البتة، يمكن أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أمام الناس، ويصلي مع المسلمين، ويقول: أنا مسلم.

لكن عمله وما يظهره فيه أشياء كفرية واضحة مخرجة عن الملة، فهذا يسمى منافقاً لماذا؟ لأنهم يدعون الإسلام وفي محافل ومناسبات ومحلات ومواضع يظهرون الكفر، ماذا تسميه؟ نسميه منافق، في تصريح ومقالات، وأشياء مكتوبة، وقصائد يظهر الكفر، ولما تأتيه يقول لك: أنا مسلم، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنا أصلي.

والظاهر أن بعض العلمانيين الذي يقوم الليل، أقرباؤه يقولون: يقوم الليل، ما رأيك؟ المنافق نفاقاً مخرجاً من الملة لا يشترط أن يكون مستوراً لا يعرف عنه شيء، يظهر الإسلام ويخفي الكفر لا، وحال المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنه ظهر منهم أشياء لكن لأنهم يقولون ويدعون الإسلام، ينطقون بالشهادتين، ويصلون مع المسلمين، ويصلون العيد، ويحضرون الجمعة لكن عبد الله بن أبي هذا، يفعل ذلك كله، لكن ظهر منه أشياء في تخذيل المسلمين، ونصرة الكفار عليهم، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، والطعن فيه، والطعن في رسالته، والكيد له، والكيد لجماعة المسلمين كلهم، وتخذيل المسلمين في أحد وهكذا.

إذاً: النفاق الأكبر المخرج عن الملة، مثل: إنسان يدعي الإسلام وعنده أقوال وأفعال أخرى تناقض ما يقول فيعتبر منافقاً، ومن باب أولى الذي ما أظهر شيئاً أبداً، مثل رجل يبطن الكفر ويظهر الإسلام، ولم نضبط عليه لا كلمة ولا فعلاً، لكنه في الحقيقة عند الله زنديق، ولذلك قال بعض العلماء: إذا اطلع على الزنديق يقتل ولا يستتاب؛ لأننا لو استتبناه سيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وهو يقولها أصلاً! فنقتله، وإذا كان صادقاً في التوبة تنفعه الشهادة عند الله، وهذا عند الإمام مالك يقول: الزنديق يقتل.

لماذا؟ يقول: إذا اكتشفنا وعثرنا على زندقته نقتله.

وإذا قال: أنا أقول لا إله إلا الله.

نقول: نقتلك وإذا كنت صادقاً تنفعك عند الله.

لماذا قال مالك ذلك؟ لأننا إذا قلنا: نستتيبك سيقول أشهد أن لا إله إلا الله، وهو أصلاً يقولها.

وقال آخرون: الزنديق يستتاب، فإن تاب يكف عنه، وابن تيمية رحمه الله ذكر في النفاق الأكبر قال: كنفاق عبد الله بن أبي بأن يظهر تكذيب الرسول أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دين الرسول.

إذا انهزم المسلمون في معركة أظهر السرور؛ لأن المسلمين انهزموا، أو المساءة بظهور دين الله، لو قيل له: دخل اليوم في الإسلام ألف من الكفار.

ينغص هذا الخبر عليه، أو يقال: انتصر المسلمون في البلد الفلانية تراه ينغص، هذا منافق لماذا؟ لأنه ساءه ظهور الإسلام وانتصار المسلمين.

ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله، وهذا القدر كان موجوداً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زال بعده، بل هو بعده أكثر منه في عهده -انظر كلام ابن تيمية الخبير في الواقع، الإنسان المعايش للناس العارف بطبقات المجتمع- يقول: بل هو بعده -النفاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم- أكثر منه على عهده.

وهذا واضح في عصرنا جداً، فالعلمانيون هؤلاء هم المنافقون يظهرون الإسلام، لكن انظر إلى المقالات والأفعال.

إذاً: يتبين لنا أن أي مظهر من مظاهر النفاق الأكبر يحكم على صاحبه بالنفاق الأكبر ولو كان يدعي الإسلام مثل تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض الرسول صلى الله عليه وسلم أو بغض بعض ما جاء به من الشريعة، المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو كراهية انتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم اعتقاد وجوب تصديقه فيما أخبر، وعدم اعتقاد وجوب طاعته فيما أمر، وإيذاؤه أو عيبه أو لمزه صلى الله عليه وسلم والآن بعض الذين يكتبون في الأدب يأتي بقصيدة أو قصة ويلمز دين الإسلام ويلمز نبي الإسلام، وعندما تأتيه وتقول: أنت كذا، أنت كذا أنت كذا، هذا كفر.

يقول: أنا مسلم، انظر إلى إثباتي.

نقول: لقد أظهرت الكفر، وهذا العمل لا يحتمل، يعني: يأتي إنسان مثلاً يسب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لا أعرف أن هذا كفر؟ أنا لم أكن أعرف أن هذا كفر؟ فإذا كانت المسألة واضحة جداً، وليس لها تبرير ولا له عذر، فهذا لا يتردد في كفره إذا كان بهذه الطريقة.