إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن المؤمن يخاف يوماً عبوساً قمطريراً، يخاف يوماً طويلاً كان شره مستطيراً، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن ذلك اليوم في كتابه بتفصيلات كثيرة حتى كأن الإنسان ينظر إلى الآخرة رأي العين، ومن سره أن ينظر إلى القيامة رأي العين فليقرأ تلكم السور في جزء عم:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:١] و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الانشقاق:١] ذكرنا الله بذلك اليوم؛ لنستعد له بالعدة اللازمة، ونحسب للأمر حسابه، وكثيرٌ من الناس عن هذا اليوم غافلون.
عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى إذا قبض خلقه بنفخة الصور، ومات الناس أجمعون، وصعق من في السماوات ومن في الأرض، يمكث الناس بين النفختين أربعون، ثم ينزل الله من السماء ماءً، فينبتون كما ينبت البقل، وليس شيء من الإنسان لا يبلى إلا عظماً واحداً، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة كما في الحديث المتفق عليه، وعجب الذنب مثل حبة الخردل وتكون آخر العمود الفقري، فتلك النقطة يركب منها الخلق يوم القيامة.
يرسل الله سبحانه وتعالى سحابةً سوداء من قبل المغرب مثل الترس، فلا تزال ترتفع في السماء وتنتشر حتى تملأ السماء، ثم ينادي منادٍ: أيها الناس {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل:١] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده إن الرجلين ينشران الثوب، فلا يطويانه، وإن الرجل ليمجر حوضه فلا يسقي منه شيئاً، والرجل يحلب ناقته فلا يشربه أبداً) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
فهي تذهلهم إذاً، حتى إن الرجل يرفع لقمته إلى فيه لا يطعمها، من هول المفاجأة التي تكون، ثم يموت الناس، ويبعثون بعد ذلك.
والمطلع قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه:(لا تمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد) وسنتحدث إن شاء الله في هذه الخطبة عن موضوع الحشر، نذكر به أنفسنا، ويتعلم من جهل، ويتذكر من غفل، ولعله يكون بعد ذلك التوبة والعودة.