[صحبة الأشرار وأضرارها]
الحمد لله، وسبحان الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً رسول الله؛ الرحمة المهداة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: إن الله تعالى حذَّّرنا من أهل السوء، قال: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:٦٨].
يا من تُعاشِر صاحب سوء وأهل السوء! {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:٦٨] لا تقعد بعد الذكرى مع أهل السوء؛ فإن الله نهاك عن ذلك: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:٦٨] هؤلاء الذين يتبرأ بعضُهم من بعض، ويقول الواحد منهم يوم القيامة: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:٢٨].
ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ في دعائه من صاحب السوء كما قال: (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة) لأنه ملازم؛ فإذا كان صاحب سوء فكيف يسلم من شره.
(أعوذ بالله من صاحب السوء) قرين السوء الذي لا يمكن أن تأمنه على شيء؛ لا على عرض، ولا على مال، ولا على سر، لا يعينك على خير، ويزين المعصية، ويحث على الخبث.
لا خير في صحبة من إذا حدثك كذبك، وإذا ائتمنته خانك، وإذا ائتمنك اتهمك، وإذا أنعمت عليه كفَرك، وإذا أنعم عليك مَنَّ عليك.
ينبغي أن يُخْتَبَر الناسُ قبل مؤاخاتهم وذلك عند الهوى إذا هوى، وعند الغضب إذا غضِب، وعند الطمع إذا طمِع، ليُنْظر ما حاله في هذه المواقف الثلاثة! قال شيخ الإسلام رحمه الله: الناس كأسراب القَطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض.
ولا تقل: إنه لا يضرني، فالصاحب ساحب، والتشبه حاصل.
واختر قرينك واصطفيه تفاخراً فكلُّ قرين بالمقارَن يَقتدي
مَن الذي علم أصحاب المخدرات المخدرات؟! ومَن الذي جر الفحش إلى كثير من أهل الفحش؟! ومَن الذي أعطى القصص الخليعة وروايات السوء إلى من تأثر بها؟! َمَن الذي جلب إليهم الأفلام؟! مَن الذي سافر معهم إلى بلدان الشر والفساد؟! مَن الذي ضيعهم عن أهليهم؟! مَن الذي جعلهم يضيعون أماناتهم، وزوجاتهم، وأولادهم؟! إنهم قرناء السوء، أثرهم واضح في الواقع، يضيِّعون العمر، إنهم مَرَضٌ وهَمٌّ، وغَمٌّ وعجز.
أيها المسلم! يا عبد الله! قد تكون أنت من أهل الخير، ولكن في نفسك شيء من الهوى إلى الجلوس إلى بعض أهل السوء، فإياك إياك أن يأخذك إلى أي مكان؟! إن صاحب الخير يأخذك إلى مسجد، أو حلقة علم، أو زيارة نافعة، أو عبادة وطاعة، أو قربة، أو يصحبك في حجٍ أو عمرة.
أما ذلك فيأخذك إلى مكان دمَّر حياةَ كثير من الناس! فهل من توبة؟! وهل من عودة؟! وأقل ما في صحبتهم: ضياعُ الأوقات.
حدثني واحدٌ قال: ذهبنا ووقفنا على أرجلنا إلى الساعة الواحدة ليلاً، ننتظر عملية القمار والميسر، ماذا ستكون نتيجتُها؟! ومَن الذي سيفوز بالسحب؟! ضاع الوقت، وضاع العمر، ومشاهدة المعصية، وهكذا الفكر الخالي، والعقل الخالي، والقلب الخالي؛ يسهُل جَرُّ صاحبِه.
والناس إذا كانوا أصحاب تفاهات لو قيل لهم: إن في فَتِّ البعر سراً لأقبلوا على فَتِّه؛ لأن كثيراً منهم ليسوا بأصحاب عقولٍ راجحة، فيسهل الضحك عليهم، ويسهل خداعهم، وهذا حال كثير من الناس.
فإذا لم يُوَفَّق الإنسان بصاحب عقلٍ راجح فكيف يكون العيش؟! وإذا كان الإنسان في مكان لم يجد فيه قريناً صالحاً، قد يعيش في مَجْمَع سكني، أو مكانٍ ناءٍ لا يجد فيه صحبة صالحة، يُبْتلى العامل بعمال حوله من النصارى والهندوس، أو غير ذلك ممن يكونون معه، فربما لا يجد أحداً من أهل الخير، فماذا يفعل عند ذلك؟ قال العلماء: فالأَولى للرجل في هذه الحالة ألا يزور إلا المقابر، ولا يفاوض إلا الكتب، وليستعن بالله على التوفيق، ويجعل خلوته أنساً بالله تعالى.
إذا لم تجد أصحاباً فخالط كتب العلماء، وإذا لم تجد صالحاً تزوره فزر القبور.
أيها الإخوة: كثيرٌ من الناس لا يغيرون العلاقات السيئة؛ لِقِدَم العهد وجريان العادة، فهو لَمَّا تعود على هذه الشلة لا يريد أن يفارقها؛ إن هناك جاذبيةً، إن سريان الوقت قد جعله متعلقاً بهم، فانتشال النفس من بينهم يحتاج إلى دينٍ، ومجاهدة، وإرادة قوية لا يُرْزَقُها إلا من أخلص النية لله من أجل الخلاص.
يا أيها الأب: ساهم في توجيه ولدك إلى أهل الخير في الوقت المبكر؛ فإن الولد إذا كَبُر فَبَنَى علاقاته بنفسه، فإنه يصعب عليك جداً أن تغيرها أنت، اختَر له قبل أن يختار هو، فإذا رأيته مال إلى أهل الخير فشجِّعه، وأيِّده، وانصره، ووافقه على ما مال إليه؛ لأنه فيه صلاح دينه ودنياه.
وبعضهم يقول للأخيار: أدفع لكم نقوداً وخذوا ابني.
وبعضهم اعتَبَر بضياع الولد الأول، فلا يريد أن يضيع الثاني، والذي رأى تجارب غيره لا يحتاج أن يجربها.
وهذه من مسئوليات الآباء في اختيار الأولاد الصالحين لمرافقة أبنائهم منذ السن المبكرة، وأن يتعاون الجميع على أن يوجدوا بيئات صالحة؛ وإيجاد البيئات الصالحة مسئولية عظيمة، وصدقة جارية، والله إن الذي يوجِد مجموعةً صالحة يعيش فيها ولده وولد غيره وولد جاره صدقةً جارية، تكون له في كل علم اكتسبوه، وخلق انتفعوا به.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين ينشغلون بذكرك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم اجعلنا ممن يصاحب الأخيار يا رب العالمين! اللهم لا تجعلنا من النادمين، اللهم لا تجعلنا من النادمين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين.
اللهم انصرنا على أعداء الدين، اللهم عجِّل فرج المسلمين.
اللهم إنا نسألك أن تهلك الكفرة الذين يعادون رسلك ويكذبون وحيك يا رب العالمين! اللهم أنزل بهم بأسك وعذابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، ونجنا برحمتك يا أرحم الراحمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.