قال رحمه الله:(والنهي عن الخوض في القدر يكون على وجوه: منها: ضرب كتاب الله بعضه ببعض، فينزع المثبت للقدر بآية، والنافي له بأخرى، ويقع التجادل في ذلك والخوض في القدر إثباتاً ونفياً بالأقيسة العقلية.
كقول القدرية: لو قدَّر وقضى ثم عذب كان ظالماً -هذه قاعدة استنبطوها من عقولهم- وقول من خالفهم، ومنهم من قال في الطرف المقابل: إن الله جبر العباد على أفعالهم ونحو ذلك).
وهذا كله انحراف وبدعة وخروج عما أراده الله سبحانه وتعالى.
وأيضاً يدخل في العلوم المحرمة الخوض في سر القدر، ومنها: الخوض في ذات الله، وكيفية صفاته سبحانه وتعالى، وهذا أشد خطراً من الكلام في القدر، لماذا؟ لأن الكلام في القدر هو كلام في أفعال الله، والكلام في الصفات هو كلام في ذات الله، ولا شك أن الانحراف في الكلام في ذاته أبشع من الانحراف في الكلام في أفعاله.
فالذين يريدون أن يخوضوا في ذات الله وكيفية الصفة، هؤلاء يخوضون بالباطل، وهذا شيء محرم ولا يُعتبر علم؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يتخيل أو يعرف كيفية صفات الله، لكنه يجب أن يُؤمن بالصفة كما جاءت وهو يعلم معناها في اللغة، ويعلم معنى اليد ومعنى الوجه في اللغة، ثم يثبتها لله عز وجل، فيثبت الوجه لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته.
وصار الانحراف أن بعض الناس نفوا أشياء كثيرة مما ورد في القرآن والسنة لاستلزامه التشبيه عندهم بالمخلوقين، مثل قول المعتزلة مثلاً عندما نفوا الرؤية: الله لا يرى لماذا؟ قالوا: لأنه لو رؤي لكان جسماً، والله منزه أن يكون جسماً، إذاً لا يُرى، وهل وجدت في القرآن والسنة أن الله جسد أو غير جسد، فلماذا نتكلم؟ وجدت أن الله يرى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣]{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}[المطففين:٣٥] فأنت تنفي وتجحد وتكذب بهذه الآية، لأجل قاعدة عقلية عندك:[أن ما رؤي لا بد أن يكون جسماً، وأن الله منزه عن الجسمية؛ فإذاً هو لا يرى].
فهذا هو العلم الضار الذي يسبب إذهاب العلم النافع، والكفر بما أنزل الله سبحانه وتعالى.
وفي الطرف الآخر: هناك من غالى في الإثبات أكثر مما ورد، وأكثر مما جاء في الكتاب والسنة، فأثبتوا لله أشياء ما ثبتت في الكتاب والسنة فغلوا فيها.