[من نواقض الإيمان: الشك في حكم من أحكام الله]
أيضاً من المكفرات العظيمة: الشك في حكمٍ من أحكام الله عز وجل أو خبرٍ من أخباره، فمن شروط لا إله إلا الله: اليقين المنافي للشك.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلق الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة) لاحظ قول: (غير شاك فيهما) وحديث أبي هريرة: (اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة).
وقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:١٥].
وقوله: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:٤٥] واضح جداً أن من شروط الإيمان: اليقين وعدم الشك والارتياب.
إذاً: الذي يشك في هذا الأمر يكفر، ويناقض لا إله إلا الله.
قال ابن القيم رحمه الله: كفر الشك ألا يجزم بصدقه ولا يكذبه بل يشك في أمره.
ونوضح ذلك بمثال: قال القاضي عياض: ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو وقف فيهم -يا أخي! اليهود والنصارى كفار أم لا؟ قال: والله أنا أتوقف- أو وقف فيهم أو شك -يقول: أنا أشك، ولست متأكداً أنهم كفار، فمن دان بملة غير ملة المسلمين أو وقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم -قال: هم على حق ونحن على حق- وإن أظهر مع ذلك الإسلام والشهادتين وصلى وصام وزكى فهو كافر.
إذاً: المسألة مسألة خطيرة والقضية مهمة، وقد ذكر شيخ الإسلام حكم من يكفر الكافر سواء كان كافراً أصلياً كاليهود والنصارى، أو ثبت كفره يقيناً كـ الباطنية، فقال في الرد على أهل الحلول والاتحاد، وأقوال هؤلاء، يعني: أهل الحلول والاتحاد يقولون: إن الله حل في كل المخلوقات، كل ما تراه بعينك فهو الله، تعالى الله عن قولهم، قال شيخ الإسلام: "وأقوال هؤلاء -جماعة ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض - وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى" النصارى يقولون بالتثليث، أما هذا فكل شيء عنده هو الله، يعني ملايين الأصوات بل بلايين.
إذاً: النصارى أعقل منهم.
قال: وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى، وبذلك يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه، فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم، ومعرفة دين الإسلام فهو كافر كما يشك في كفر اليهود والنصارى أو المشركين.
كذلك قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: الثالث: من المكفرات: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً، وقال حفيده الشيخ سليمان: فإن كان شاكاً في كفرهم أو جاهلاً بكفرهم بينت له الأدلة.
قلنا: النصارى يقول الله عنهم: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣] فإن قال: أنا لا أستطيع أن أكفر النصارى، أنا متوقف، أنا لا أدري هم كفار أم لا، فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر.
إذ كيف تشك بكفر الكافر؟ وكذلك فإن الشك في أصول الدين كفر، فلو أن إنساناً قال: أنا أشك في الجنة والنار، أنا أشك في البعث، فقد يكون هناك بعث وقد لا يكون، تصور شخصاً من أبناء المسلمين في جامعة، قال ذات مرة: أنا أصلي احتياطاً.
قلت: كيف تصلي احتياطاً؟ قال: إذا صح أن هناك يوماً آخر وهناك حساباً نكون قد صلينا، أي: وإذا لم يصح فما خسرنا شيئاً.
هل تعرف ما معنى هذا؟ معناه أن هذا إنسان كافر بالله العظيم، خارج عن ملة الإسلام، لا تنفعه صلاته ولا صيامه ولا زكاته ولا حجه ولا شيء، وشهادته التي يقولها حبر على ورق، لأنه شك في قضية أصلية هي قضية الدين، شك فيها، وأكثر منه ذلك الأب الذي قام ينصح ولده - له ولد وعلى كلام العامة صار مطوعاً متديناً ومجتهداً في العبادة- قال: يا ولد! قال: نعم يا أبي.
قال: لا تتعب نفسك كثيراً، لا تجتهد كثيراً لماذا؟ قال: يمكن يطلع ما في شيء وهذا أكفر من الأول.
فلذلك الشك هو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه ونحو ذلك، فالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوب الصلاة، أو لا يعتقد تحريم الزنا ولا عدم تحريم الزنا، وهذا كفر بإجماع المسلمين وقد قاله شيخ الإسلام رحمه الله.