للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحذير من خطورة الشهوة]

الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيا الله هذه الوجوه وحرمها على النار، ونضرها بالنظر إلى المليك الغفار، في جنة المأوى ودار الأبرار، حياتنا فتن ومجاهدة وشهوات ومعركة، ميدان الشهوات كبير والصراع فيه خطير، إنها معركة الإنسان مع غريزته المستترة في أغوار نفسه، والهالكون في أغوار هذه المعركة من البشر كثير، والناجون قليل قليل، يجتمع للمنتصر في معركته إقامة المروءة صون العرض وحفظ الجاه راحة البدن قوة القلب طيب النفس إقامة الفؤاد على الدين انشراح الصدر قلة الهم والغم والحُزن عز المكانة نضرة الوجه مهابة في قلوب العباد زوال الوحشة قرب الملائكة بعد الشياطين ذوق حلاوة الطاعة طعم حلاوة الإيمان زيادة في العقل والفهم وهكذا فضائل الدنيا وعظيم فضائل الآخرة.

لقد حذرنا سلفنا من خطورة الشهوة، قال يحيى بن معاذ: "من أرضى الجوارح باللذات فقد غرس لنفسه شجر الندامات".

وقال عبد الصمد: "من لم يعلم أن الشهوات فخوخ فهو لعاب".

وقال ابن القيم رحمه الله: ولما كانت طريق الآخرة وعرة على أكثر الخلق لمخالفتها لشهواتهم، ومباينتها لإراداتهم ومألوفاتهم؛ قل سالكوها، وزهدهم فيها قلة علمهم، وما هيئوا له وما هيئ لهم فقل علمهم بذلك، واستلانوا مركب الشهوة والهوى على مركب الإخلاص والتقوى، وتوعرت عليهم الطريق، وبعدت عليهم الشقة، وصعب عليهم مرتقى عقباتها وهبوط أوديتها وسلوك شعابها، فأخلدوا إلى الدعة والراحة، وآثروا العاجل على الآجل، وقالوا: عيشنا اليوم نقد وموعودنا نسيئة، فنظروا إلى عاجل الدنيا وأغمضوا العيون عن آجالها، ووقفوا مع ظاهرها ولم يتأملوا باطنها، ذاقوا حلاوة مبادئها وغاب عنهم مرارة عواقبها، اشتغلوا عن التفكر وقال مغترهم بالله وجاحدهم لعظمته: خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به.

وقد حذرنا الله تعالى من خطر الشهوات، فقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:١٤] الآية، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء) وقال: (اتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).

وهنا يأتي السؤال ويقول: لماذا خلقت الشهوة أصلاً؟ ما هي الحكمة من وجودها؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجيباً: إن الله خلق فينا الشهوات واللذات لنستعين بها على كمال مصالحنا، فخلق فينا شهوة الأكل واللذة به، فإن ذلك في نفسه نعمة، وبه يحصل بقاء جسومنا في الدنيا، وكذلك شهوة النكاح واللذة به هو في نفسه نعمة، وبه يحصل بقاء النسل، فإذا استعين بهذه القوى على ما أمرنا كان ذلك سعادة لنا في الدنيا والآخرة، وكنا من الذين أنعم الله عليهم نعمةً مطلقة، وإن استعملنا الشهوات فيما حظره علينا بأكل الخبائث في نفسها، أو كسبها كالمظالم، أو بالإسراف فيها، أو تعدينا أزواجنا أو ما ملكت أيماننا؛ كنا ظالمين معتدين غير شاكرين لنعمته.

قال تلميذه ابن القيم: اقتضت حكمة اللطيف الخبير أن جعل فيها -أي: في النفس- بواعث ومستحثات تؤزه أزاً إلى ما فيه قوامه وبقاؤه ومصلحته، فلو لم يوجد شهوة هل كان هناك زواج وأولاد وبقاء النسل البشري؟ وقال مذكراً ليتأمل المسلم كيف جمع الله -سبحانه وتعالى- بين الذكر والأنثى وألقى المحبة بينهما، وكيف قادهما بسلسلة الشهوة والمحبة إلى الاجتماع الذي هو سبب تخليق الولد وتكوينه قال: جعل الله فينا أمرين: الشهوة والعقل، الشهوة لهذه الحكم، والعقل ليتحكم في الشهوة، ويصرفها فيما أراد الله.