[حفظ الدين بإقامة الحدود]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا هو ولي المتقين، وأشهد أن محمداً رسول الله إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، والشفيع المشفَّع يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
يا عباد الله: لقد شرع الله من الحدود ما يكفل حفظ الدين، وهو حد الردة الذي يحفظ به جانب الإسلام من الهدم يُكَبتُ فيه الباطل والمتقولون بالباطل، والرافعون لرايات الكفر الذين يتفوهون به ويتشدقون، هكذا إذاً شُرِع حد الردة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) والمقصود بالدين -ولا شك- هو الإسلام، وإلا فمن بدل من النصرانية إلى الإسلام فلا يقتل، بل يصبح أخاً في الإسلام ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) جماعة المسلمين الذين هم على منهاج الصحابة، وعلى دين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فلو لم يقتل المرتد لكان الداخل في الدين يخرج منه بكل سهولة، وهذا الحد العظيم الذي عطله أكثر المسلمين في هذا الزمان، بل لم يكد يعد يُسمع في الأرض مطلقاً، بأي سببٍ أيها الإخوة؟ مع كثرة المرتدين، وكثرة المتشدقين بالكفر، الذين لا يشهد على ردتهم واحدٌ أو اثنان، وإنما يشهد على ردتهم وعلى كفرهم وزندقتهم ألوف من المشاهدين، فيعرض الكفر والإلحاد -الآن- في قصة تطبع وتروج، أو فيلم ينشر في القاعات ليشاهده الناس، أو في مناظرة تلفزيونية بزعمهم، يسمح للمرتد بعرض دينه الكفري، وعقيدته الباطلة، وزندقته وانحلاله، وهجومه على شريعة الله ورسوله، وطعنه في هذا الإسلام، ويشهد على ردته عشرات الآلاف من الناس، أو أكثر!! إذاً: حد الردة بضرب عنق المرتد بالسيف هو أمرٌ شرعه الله لحفظ دينه ذهب أبو موسى الأشعري إلى اليمن، ثم اتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه، ألقى عليه وسادة، وقال: انزل.
وإذا برجلٌ عنده موثقٌ، قال معاذ: ما هذا؟ قال: كان يهودياً، فأسلم ثم تهود قال: - أبو موسى لـ معاذ - اجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله قضاء الله ورسوله قضاء الله ورسوله.
فضربت عنقه.
رواه البخاري.
لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له: (أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيّما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها) قال ابن حجر رحمه الله: سنده حسن.
هذا حكم الله ورسوله فيمن يرتد عن الدين، ويخرج منه {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢١٧].
كم واحد يسب الرب من المسلمين! وكم واحد يسب الرسول صلى الله عليه وسلم! وكم واحد يسب الدين! وكم واحد ينتقد القرآن! وكم واحد يعيب الحدود الشرعية! وكم واحد يحل ما حرم الله من الربا وغيره! وكم واحد يقوم بالسحر والشرك والاتصال بالشياطين والتكهن! كل هؤلاء ما هو حدهم؟ حدهم ضربة بالسيف تقطع رقبتهم، هذا إجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم منذ أن ارتد المرتدون من العرب، فقام لهم الصديق رضي الله عنه وأرضاه قومةً لله عز وجل، وجيَّش الجيوش لقتال المرتدين الذين خرجوا عن الدين، وهكذا فعلوا ببني حنيفة وبـ مسيلمة، وبغيره من الكفار، فقتلوا من قتلوا حتى رجع إلى الدين صاغراً من كان قد خرج عنه، وهكذا قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه فيمن اعتقدوا فيه الإلهية لما دخل الكوفة، فسجدوا له، فدعاهم إلى التوبة فأبوا، فخدَّ لهم الأخاديد، وملأها حطباً، وأضرم فيها النيران، وقذفهم فيها، وقال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قمبرا
وهو مولى علي رضي الله عنه وأرضاه، ولم يعترض ابن عباس على هذا الحكم إطلاقاً، وإنما كان رأيه ألا يحرقوا وإنما يقتلوا قتلاً.
وهكذا حصل ما حصل في عهد من بعدهم من المسلمين، وفي عهد التابعين قام أميرهم على المنبر في يوم الأضحى خالد بن عبد الله القسري، وقال: أيها الناس! ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر شَكَر الضحية كل صاحب سنة.
هكذا يرتدع كل من تسول له نفسه الخروج من الدين، أو التهجم على الدين، وما أكثرهم في هذا الزمن! هذه هي الوسائل التي جاءت بها الشريعة لحفظ الدين فما أحكمها! وما أعدلها! وما أقواها! وما أحزمها! وما أشدها على من بغى وطغى! نسأل الله تعالى أن يعاملنا بلطفه، وأن ينقلنا إلى رحمته، اللهم إنا نسألك أن تخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اجعلنا هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، قائمين بشرعك يا رب العالمين.
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد، اللهم إنَّا نسألك أن تحرر بلاد المسلمين من الكفرة المغتصبين، اللهم ادرأ عن إخواننا المسلمين كيد المعتدين، اللهم أنزل بأسك وسطوتك باليهود والنصارى والمرتدين يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.