[الإعداد للمعركة بين الإسلام والكفر]
مسألة أخرى من المسائل التي تجب علينا في هذا الواقع مسألة الإعداد للمعركة التي تكون بين الإسلام والكفر، قال الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:٦٠].
(وَأَعِدُّوا): فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
(مَا اسْتَطَعْتُمْ): ما نكرة، والنكرة في سياق الأمر تفيد العموم، أعدوا عموم أنواع القوة، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:٦٠] من ضمن القوة رباط الخيل، كل شيء تستطيعونه.
{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:٦٠] من الكفار.
{وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:٦٠] من المنافقين ومن غير المنافقين، أناس ليس عندك فكرة أنهم من أعداء الله، فإذا رأوا قوة الإسلام هابوه، وأنت لا تعلم عنهم، لكنهم خافوا لما رأوا قوة الإسلام وأهله.
وإن هذه الآية تأمر بالإعداد قبل أن تأمر بالجهاد، هناك آيات أمرت بالإعداد وآيات أمرت بالجهاد، قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:١٢٣]، وقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة:٢٩].
وآيات أمرت بالإعداد قبل الجهاد ومنها هذه الآية، وأي عاقل يعرف أن الإعداد قبل الجهاد، والآن أكثر بلدان المسلمين لابد أن تكون في مرحلة الإعداد؛ لأنها لا تملك مقومات إعلان الجهاد، وبعض الناس الذين لا يحسبون حسابات الأمور جيداً، لا يتصورون ولا يعرفون ولا يدركون ما هي مستلزمات المعركة، وهؤلاء يمكن أن يجروا بكل سهولة إلى معركة جانبية تستهلك فيها الطاقات والقوة الإسلامية القليلة، ويحصد فيها المسلمون وتنتهي القضية.
هؤلاء المساكين الذين ما فقهوا الواقع، ولا فقهوا شريعة الله أولاً، ولا فقهوا أن مرحلة الإعداد قبل مرحلة الجهاد.
أيها الإخوة: لابد أن نفرق بين مرحلة الإعداد ومرحلة الجهاد.
فهذا صلاح الدين سلك طريق النصر بشكل صحيح، أعدّ الأمة للمواجهة شحذ عزائمهم، وعظهم وذكّرهم بخطبائه وعلمائه وفقهائه إعداد متكامل إعداد العدة والسلاح، ونقل الأسلحة والعتاد من مكان إلى مكان، وحشد الأشياء، وكان إعداده للجهاد يسير جنباً إلى جنب مع إصلاحاته الداخلية، فكان يحارب العقائد الفاسدة، فمن الذي قمع الباطنية؟ صلاح الدين.
من الذي أنهى دولة الفاطميين في مصر؟ صلاح الدين.
من الذي حارب فرق الحشاشين؟ صلاح الدين.
ولقد حاولوا اغتياله لأنه كان يصلح من الداخل، ويعد الأمة للمواجهة في الخارج، حتى الضرائب المضروبة ظلماً أصلحها، وأصلح أفكار الأمة، وشجع العلماء، وأشاع العدل؛ فانقادت له الأمة وكانت الانتصارات العظيمة.
صلاح الدين لم يجاهد من أول ما ظهر، ومن قبل صلاح الدين إعداد العدة في عهد نور الدين، فلما صلحت الأمة جاهد في سبيل الله.
أيها الإخوة: إن هذه الأمة في كثيرٍ من شعوبها تعيش حياة الدعة والترف، وتعيش حياة الذل والهزيمة.
إن كثيراً من الجماهير تريد أكل الخبز، وأكثر ما يفكر أحدهم به هو تأمين مستقبله ووظيفته، وأكل طعامه وشراء بيت وسيارة، ووفرةٍ مالية للمستقبل، واستثمارات وهكذا.
هؤلاء الذين ينغمسون اليوم في حياة الترف والدعة، لابد أن تأتي عليهم أحداث وتهزهم لتوقظهم، ولعل فيما جرى من الأحداث رحمة بالأمة من جهة إيقاظ هؤلاء النائمين، وتنبيه هؤلاء الغافلين.
إن الإسلام الآن مضطهد آلاف المسلمين يقتلون، بعضهم يقتلون بأيدي بعض! نعم، لكن عندما تحصل هذه النكبات لابد أن تستيقظ الأمة، وعندما يشعر الناس بالخوف يستيقظوا، وعندما يعيش الناس تحت الضغوط تصقل شخصيات كثير منهم؛ ولذلك إذا حدثت حروب ونكبات بالمسلمين، من آثارها الإيجابية: أن تهون الأرواح لتقدم إذا وجهت بشكل صحيح في سبيل الله، وعندما يقتل أناس كثيرون في مجتمع فيه ترف ودعة وانحطاط وبرود، جهودهم للإسلام في ثلاجة، والدعوة في إجازة، عندما تحدث هذه المصائب في مكان سيشعرون أن أرواحهم يمكن أن تبذل بسهولة الآن، فلماذا لا يبذلوها في سبيل الله؟ فإذا توجهوا هذه الوجهة دب تيار الجهاد في الأمة؛ ولذلك فإن أعداء الإسلام يريدون شراً، ولكن لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
متى تحمست الأمة للجهاد وصحا المسلمون؟ لما تكاملت الحملات الصليبية، هذا معه مليون مقاتل، وهذا ريتشارد، وهذا ملك الألمان، وهذا وهذا، وذبح المسلمون في القدس، وخاضت خيول الصليبيين في دماء المسلمين إلى الركب عندها استيقظت الأمة، وانتفضت وقامت.
ولذلك فهذه المصائب المتوالية لها فوائد كبيرة وعظيمة عندما تحدى العلمانيون بشيء من الأمور مشاعر المسلمين، استيقظ كثير من الهائمين والغافلين وتوجهوا، وتنور الناس، واستعدوا حتى ندم هؤلاء على فعلتهم، وقالوا: ياليتنا ما فعلناها وأخرناها، لقد كان توقيتنا سيئاً جداً لماذا؟ لأن ردة الفعل كانت أقوى من المتخيل والمتصور، ولأنه تحرك للإسلام أقوام، وهتف له وخطب له كثيرون، وصارت المسألة في المطالبة بتغيير المنكرات كثيرة وكبيرة، فانتعش الإسلام.
ولذلك فإن الناس الذين ألفوا حياة الترف والدعة، لابد لهم من هزات توقظهم، فإذا شبعت نفوسهم بطلب الموت لإعلاء كلمة الله، قاموا يجاهدون في سبيل الله، ويقدمون أعناقهم لأجل الدين، ويقتلون أفواجاً أفواجاً، ليعز هذا الدين وترتفع رايته.