لقد كان للشيخ رحمه الله مميزات منها: ١ - الشمولية العلمية في هذه الموسوعات التي تجدها له في شتى مجالات العلم الشرعي.
٢ - أنه كان منضبطاً في إنتاجه العلمي، وكان يأخذ بالقواعد العامة؛ كاتباع الظاهر في الأحكام والعقائد، إلا ما دل الدليل على خلافه، لكن اتباع الظاهر في العقائد أوكد؛ لأنها أمور غيبية لا مجال للعقل فيها؛ بخلاف الأحكام فإن العقل يدخل فيها أحياناً، لكن الأصل أننا مكلفون بالظاهر.
٣ - أنه كان لا يتردد في إعلان توقفه، وأن يقول: لا أدري في مسائل، وقد جربت ذلك في عددٍ من القضايا مع الشيخ رحمه الله.
٤ - أنه كان يسير على طريقة السبر والتقسيم والتفصيل، وهذا يفيد الطلاب جداً، ويركز المعلومات في أذهانهم، فتجده مثلاً يقول في أحكام الشعر: إنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شعرٌ أمر الشارع بإزالته كشعر العانة والإبط والشارب، وشعر نهى الشارع عن إزالته كشعر اللحية، وشعرٌ سكت عنه مثل شعر اليدين والرجلين، ويقسم حركة الصلاة إلى خمسة أقسام، والنجاسة إلى ثلاثة أقسام وهكذا تجده كثير التقسيمات، بارعاً في طريقة السبر، وهذه توضح المسائل في أذهان الطلبة جداً.
وكان ذا تحديدٍ دقيقٍ للمصطلحات، كما يتبين من تعريفه في حد الحدث، وتعريف النجاسة، والاحتياط، والغرض، والإجزاء، ونحو ذلك، ويعتني بالفروق الفقهية، وهذه قضية تدل على الرسوخ في العلم، فيبين مثلاً: الفرق بين القضاء والأداء في الصلاة، والفرق بين فروض العين وفروض الكفاية، والفرق بين أركان الصلاة وشروط الصلاة، والفرق بين صفة الكمال وصفة الإجزاء في العبادة وهكذا، وكثيراً ما يستعمل القواعد الفقهية الكلية ويرد جزئيات المسائل إليها، وهذه من صفات أهل الاجتهاد، وكثيراً ما تسمعه يقول هذه القواعد في أثناء شرحه:(العبرة بالأمور بمعانيها لا بصورها)(البدل له حكم المبدل منه)(عدم السبب المعين لا يقتضي السبب المعين)(يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً)(المشقة تجلب التيسير)(الفرع أضعف من الأصل)(القضاء يحكي الأداء)(كل ما وجب في العبادة فإن فواته مبطلٌ لها)(اليقين لا يزول بالشك)(الشيء في معدنه لا حكم له): مثاله: البول والغائط نجسٌ أم لا؟ أيجوز لأحد أن يصلي ومعه بول وغائط؟ كيف وفي بطن كل واحد منه، فليس له حكم إلا إذا خرج، أما إذا كان في الداخل فليس له حكم، فإذا خرج صار له الحكم (ما شك في وجوده فالأصل عدمه) وهكذا يورد القواعد الأصولية، وينبه عليها، وهذا ولا شك من حسن تدريسه، ومما تميزت به علومه رحمه الله.