للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الأسباب: سوء التربية]

ما هو المقصود بقولنا: يكون السبب أحياناً سوء التربية؟ قد يطالب الجديد في عالم الاستقامة بتكاليف عالية ونوافذ شاقة منذ البداية، يعني: مثلاً يطالب بقيام الليل، بصيام النوافل، بقراءة كتب ضخمة ليتناقش مع غيره فيها، فلما يطالب بهذه المستويات العالية من الأداء أو من العبادات لا تستطيع نفسه أن تقوم بها؛ لأنه الآن دخل في طريق الاستقامة فهو لا يزال غضاً طرياً، لا يزال عوده لم يشتد بعد، فإذاً من الخطأ أن يطالب هذا الشخص من البداية بتكاليف عالية، لأنه إذا رأى هذا الأمر من البداية فإنه سيكون سبباً للرجوع وسبباً لترك الطريق المستقيم، وسيقول في نفسه: هذه من البداية هكذا، أنا لا أستطيع أن أستمر بهذا المستوى فيترك.

وقد يأخذه الحماس في البداية فيقبل على هذه الطاعات والعبادات والتكليفات، ويركب هذه الموجة العالية، ولكن في منتصف الطريق تخف حماسته ويبرد إيمانه فيرى نفسه لا يستطيع المواصلة فيسقط، يرى أنه لا يستطيع أن يتحمل الأعباء فيقول تبعاً لذلك: ما دام أنني لا أستطيع أن أتحمل هذه التكليفات إذاً أنا لا أستطيع الاستقامة، لأنه عرف الاستقامة وفتح نفسه عليها أنها بهذا المستوى، إذاً مادام أنه لا يستطيع أن يصوم دائماً الإثنين والخميس، ولا يستطيع أن يقوم كل ليلة، ولا يستطيع مثلاً أن يتصدق بجزءٍ من ماله، ولا يستطيع أن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام مرة، ولا يستطيع ولا يستطيع فيترك الاستقامة، لأن تعريف الاستقامة عنده هي هذه الأشياء العالية.

فإذاً ينبغي مراعاة هؤلاء الجدد في عالم الاستقامة وألا يطالبوا مطلقاً بمثل هذه الأشياء العالية، وأن يترفق معهم ويرفق بهم، ولو أنهم تحمسوا لأدائها من أنفسهم فلا بد أن ينصحوا ويقال له: يا أخي تمهل، لا تقسو على نفسك، لا تكلف نفسك فجأة بكل هذه الأشياء فقد لا تتحمل.

ويدخل في ذلك أيضاً المطالبة بمستوياتٍ عالية من الزهد، يعني: مثلاً شخص يعيش في بيئة منعمة، أهله أهل غنى، أو فتاة تعيش في بيئة مرفهة، وعندهم خيرٌ كثير، فهو متعود وهي متعودة على مستويات عالية من الترف والبذخ والإنفاق على النفس، فعندما يأتي هذا الشخص أقول له من البداية: يا أخي لا بد أن تتخلى عن جميع الزينة وعن جميع هذه الملابس، ولا بد أن تلبس لباساً عادياً جداً، ولا بد أن تكون الملابس فيها تواضع، ورثاثة في الهيئة، والبذاذة من الإيمان وو إلخ، وهو الآن قريب الدخول في طريق الاستقامة، فعندما أطالبه بهذا النوع أو هذا المستوى العالي من الزهد، فإنه لن يتحمل وبالتالي سينفض يديه ويترك طريق الاستقامة.

إنسان كان في فواحش ومنكرات؛ من غير المناسب أن أطالبه بهذا المستوى من الزهد، لأعلمه أولاً أن الزهد هو ترك الحرام، انتبهوا معي أيها الإخوة، أعلمه في البداية أن الزهد الآن المطلوب منك هو ترك الحرام، فإذا ترك الحرام واستقام على الطريق فبعد ذلك يطالب بمستويات أعلى من الطاعات.