وكذلك من سمات رجل العقيدة: أنه يدافع عن هذه العقيدة ويرد عنها سهام المبطلين وكيد المنحرفين وأصحاب الأهواء، وذلك بمنهج متميز واضح، ويعتمد في منهجه على حجية السنة في العقيدة، ومنها أحاديث الآحاد الصحيحة، ويعتقد أن القول بأن أحاديث الآحاد لا تفيد قطعية الثبوت، فهذه بدعة كبيرة جاءت إلينا من كتب أهل البدع، ويعتقد بتقديم أقوال الصحابة في تفسير النصوص الشرعية؛ لأنهم أعلم من غيرهم من أفراد الأمة، ولا ينبز الصحابة بمثل الكلام الذي يتشدق به بعض المنحرفين في كتبهم، وخصوصاً من المعاصرين الذين يقولون: إن الصحابة لم يعلموا علم الكلام؛ لأنهم كانوا منشغلين عن ذلك بالجهاد!! سبحان الله ما أعظم فريتهم! رموا صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم جهلوا علم الكلام؛ لأنهم كانوا منشغلين بالجهاد، وهل يفوت الصحابة رضوان الله عليهم علم نافع، لأنهم كانوا منشغلين بالجهاد؟!! كل الصحابة غاب عليهم هذا العلم التافه، والحمد لله أنه غاب عنهم.
وكذلك يأخذ بطريقة جمع النصوص في المسألة الواحدة وعدم الاقتصار على بعضها دون بعض كفعل أهل البدعة، نأخذ مثالاً -أيها الإخوة- لو أن شخصاً أخذ بحديث:(من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) ولم يأخذ بغيره، هذا النص قد يُوهم عند البعض بأن مجرد التلفظ باللسان يكفي في دخول الجنة، ولكنه عندما يأخذ بالنصوص الأخرى، ومنها -مثلاً- قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) وقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة) إلى آخر الحديث.
إذاً: تتكامل النصوص وتجتمع لتكون العقيدة الصحيحة من جميع جوانبها، أما أن نأخذ بعض النصوص ونترك بعضها، فإننا سوف نقع في بدعة وضلال ولا نفهم العقيدة الصحيحة.
والاقتصار على الكتاب والسنة في مقارعة المبتدعة أمر مهم يدل على فقه صاحبه، وإليكم هذا المثال: قال صالح بن الإمام أحمد رحمه الله: جعل ابن أبي دؤاد ينظر إلى أبي كالمغضب، قال أبي: وكان يتكلم هذا فأرد عليه، ويتكلم هذا فأرد عليه، فإذا انقطع الرجل منهم اعترض ابن أبي دؤاد فيقول: يا أمير المؤمنين! هو والله ضال مضل مبتدع، فيقول الخليفة: كلموه ناظروه، فيكلمني هذا فأرد عليه، ويكلمني هذا فأرد عليه، فإذا انقطعوا يقول المعتصم: ويحك يا أحمد ما تقول، فأقول: يا أمير المؤمنين! أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به، لا زال الإمام أحمد على هذه الحالة حتى قال أحمد بن أبي دؤاد وقد نفذ صبره: أنت لا تقول إلا ما في الكتاب والسنة! وهذا الكلام اعتراض صريح يُدين ذلك المبتدع إدانة كاملة.
ورجل العقيدة يقف أمام محاولات تهوين العقيدة؛ الذين يهونون من شأن العقيدة ويقولون: هذه أمور جانبية، هذه أمور تافهة، هذه أمور لا تقدم ولا تؤخر، وماذا يعني: إذا اعتقدنا أن لله يداً أو وجهاً؟! تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، لم يعرفوا ربهم ثم يريدون أن يدعوا إليه وإلى سبيله.
بعض الناس يتبجحون، فيقولون: أين الذين يقولون بعلو الله من الغزو الفكري؟ أين الذين يقولون بعلو الله من التيارات العلمانية؟ أين الذين يقولون بعلو الله من قضايا الجهاد؟ {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً}[الكهف:٥].
أي: لا يمكن أن يجتمع الإيمان بعلو الله والجهاد في سبيل الله؟! لا يمكن أن يجتمع الإيمان بعلو الله ومقاومة الغزو الفكري؟! لا يمكن أن يجتمع الإيمان بعلو الله والرد وفضح التيارات العلمانية؟! أين التكامل؟! لماذا نقتصر على جانب من الدين ونترك الجوانب الأخرى؟!