من أسباب البغضاء في هذه الأوساط، قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم: ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين -هذا نقل مهم- وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم، وكل منهم يظهر أنه يبغض لله.
ويطيش وينزل على المسلمين ويفت بلسانه في أعراضهم، ويأكل من لحوم المسلمين، ويقول القضية بغض في الله.
يقول ابن رجب: ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم، وكل منهم يظهر أنه يبغض لله، وقد يكون في نفس الأمر معذوراً وقد لا يكون معذوراً، بل يكون متبعاً لهواه مقصراً في البحث عما يبغض عليه.
أي: لابد أن في تفكر سبب البغض، أنت الآن تبغض فما هو سبب البغض؟ قل لي: إذا كان مجرم فما هو الدليل على إجرامه؟ إذا كنت ترميه بالبدعة ما هو الدليل الشرعي على بدعيته؟ إذا كنت تقول إنه صاحب فواحش وجرائم فأورد جرائمه وفواحشه.
قال ابن رجب: فإن كثيراً من البغض إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق، وهذا الظن خطأ قطعاً، وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرد الهوى والألفة والعادة.
خالفت شيخي أنا أبغضك، لماذا يميل إلى شيخه؟ مجرد الهوى أو الألفة والعادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه، وأن يتحرز من هذا غاية التحرز، وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه.
لاحظ معي واحد مثلاً اضطربت به الأمور قال: ما أدرى هذا فلان أبغضه أو لا؟ هذا الأمر يبغض عليه أو لا يبغض عليه؟ قال ابن رجب: فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهي عنه من البغض المحرم.
هذا كلامه النفيس ساقه في شرح الحديث الخامس والثلاثين في كتاب جامع العلوم والحكم.
إذاً: اسأل نفسك إذا أنت شعرت ببغض لواحد من المسلمين: ما هو سبب بغضي لفلان؟ وما هي شرعية هذا الإحساس؟ وما هي الأسباب؟ ونحن ينبغي أن ننصح أنفسنا أيها الإخوة وخصوصاً الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، قد يظهر منه نوع من التدين لكن عنده بغض أو حقد موجود ومتأصل في نفسه، يمكن أن يمنع نفسه من الزنا ومن الفواحش ولا يمكن أن يمنع نفسه من الحقد والبغض، ونحن نعلم أنه لن ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم؛ سليم من الشرك والشبهات والشكوك والحقد والغل والحسد والبغضاء.