[سهام الأعداء في رمضان]
عباد الله: هذا الشهر مجالٌ عظيم لاستغلال الطاعات والعبادات، وفيه تضاعف الحسنات والأجور؛ لأن القاعدة الشرعية هي أن الطاعات في الأزمنة الفاضلة تضاعف، والسيئات في الأزمنة الفاضلة تضاعف، ونحن نعلم مكانة هذا الشهر جيداً، ونعلم مكانة الصيام في أركان الإسلام، ونعلم الأجر العظيم في الصيام والقيام والاعتكاف والعمرة في رمضان، وسائر العبادات وتلاوة القرآن.
ولما علم أعداء الله مكانة رمضان في الدين، وأنه شهر توبة للكثيرين والرجوع إلى الله سلطوا سهامهم على شهر رمضان، وأعدوا العدة للانقضاض على روح العبادة في هذا الشهر بأنواع المعاصي التي يجرون إليها الناس، فإذا نظرت وقرأت في الدعايات والإعلانات ماذا ستجد بمناسبة شهر رمضان؟ أصبح الآن قدوم رمضان مجالاً ومناسبة وفرصة للمعاصي بأنواعها، بمناسبة شهر رمضان خصومات على الاشتراك في القنوات الفضائية الأوائل في الفسق والمجون ومبارزة الله بالمعصية، ثلاثة أشهر مجاناً، تسهيلات في قيمة جهاز فك الشفرة خمس قنوات بكذا، وثلاث قنوات بكذا، كنا نعجب من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (ورأيت رجلاً جالساً ورجلاً قائماً بيده كلوب من حديد -حديدة معوجة- يدخل ذلك الكلوب في شدقه ويشرشره ويقطعه من شدقه الأيمن إلى القفا، ثم يعود فيضع الكلوب في الشدق الأيسر ويشرشره إلى قفاه، فيعود الشدق الأيمن سليماً، فيعود فيشرشره وهكذا باستمرار، فسألهم: من هذا؟ قالوا: أما الذي رأيته يشق شدقه فكذابٌ يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة).
والآن بعد وجود القنوات الفضائية لم يعد هناك مجالٌ للعجب، فإنهم ليس فقط يكذبون الكذبة حتى تبلغ الآفاق، وتحمله الموجات إلى أرجاء الأرض، وإنما يدبرون المؤامرات والمعاصي.
تحول شهر رمضان إلى شهر غناءٍ وطرب، وأمسيات رمضانية في المعصية، والأغاني والفلكلورات الشعبية ونحو ذلك، وكذلك الفوازير التي تعرض بالغناء مع اللوحات الاستعراضية الراقصة هكذا شهر العبادة! هكذا شهر الصيام!! مخطط أعداء الإسلام لتفريط رمضان من محتوياته، ما دام شهر توبة وعبادة لابد من الإغارة عليه، ولابد من تفريغه من محتوياته، ولابد من منع تأثيره على الناس، ولابد من عزل هذه الروح العظيمة في هذا الشهر عن الناس، لئلا يتنسموها كيف؟ بهذه المسلسلات والأغاني والعروض، والفوازير والاشتغال بها، ومكاتب تبيع الأسئلة، حتى قضية جمع المعلومات ليس فيها فائدة، وخصوصاً أن بعض هذه الأسئلة لا علاقة لها بالإسلام.
ثم برامج للطبخ، وطبق اليوم، ولقمة هنية طبق رمضان المأكولات العربية، إشغال ربات البيوت في الوقت الفاضل في وقت الصيام في اللحظات الغالية بمتابعة هذه الأطباق، وبعد الإفطار يعرضون مواقف كمودية، والكاميرا الخفية، ونجوم الفكاهة، ويعرضون مسلسلات عن التاريخ الإسلامي بزعمهم أن هذه الأشياء إسلامية، وهي في الحقيقة تشويهٌ -والله العظيم- للشخصيات الإسلامية، فشوهوا شخصية عمر بن عبد العزيز، وشوهوا شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية، وشوهوا شخصية صلاح الدين الأيوبي، وعرضوا المناظر المقذعة الفظيعة التي تبين أنهم عشاق، وهذا له علاقة بالنساء، ونحو ذلك من أنواع التبرج والفجور في الفيلم، ويمثله شخصٌ فاجرٌ يقوم بتمثيل رجلٍ من أبطال الإسلام.
وسنرى الدور على من في تشويه تاريخ المسلمين، ولو قاموا في هذه القنوات الفضائية العالمية التي تبث على العالم بأشياء من الدين أو إجابات أو برامج فإنها لا تخلو من التساهلات والتنازلات، وبالتالي ماذا سيكون أيها الإخوة؟! النهار ليس هناك دراسة عند الطلاب في هذا الشهر، سيتحول النهار إلى أي شيء؟ والليل إلى أي شيء؟ وأوقات صلاة التراويح إلى أي شيء؟ والليل في الألعاب والملاهي والمعاصي والتمشيات، والشباب على الأرصفة، وربما دقوا بالعود وعزفوا وفعلوا وفعلوا، ونظموا المباريات والسداسيات، واشتغلوا بالرياضة عن قيام الليل، وعن اغتنام هذه الأوقات الثمينة بالمعاصي أو الملاهي، ولو قلت: اللهو المباح، فأي غبنٍ أعظم من جعل هذه الأوقات مجالاً للفسق والفجور، وحتى اللهو المباح أليس غبناً؟ أليس خسارةً؟ عباد الله: هل يا ترى سننساق وراء مخططات أعداء الإسلام لتفريغ رمضان من محتوياته أم لا؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، وشتان شتان بين الذين سيسافرون إلى الخارج في هذا الشهر وينقطعون بالكلية عن مجتمعات المسلمين، ويعتبرونها سياحة في الأرض لا يسمع أذاناً، ولا يشهد صلاةً، وبين من سيعد العدة للذهاب إلى مكة.
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما عندي ما أحجكِ عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيسٌ في سبيل الله عز وجل -أي: وقف في الجهاد- ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي تقرئ عليك السلام -أدب النساء- وإنها سألتني الحج معك، وقالت: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جملك، فقلت: ذاك حبيسٌ في سبيل الله، فقال: (أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال: وإنها أمرتني أن أسأل ما يعدل حجةً معك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرئها السلام، وأخبرها أنها تعدل حجةً معي عمرة في رمضان) رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.
وأول رمضان هو ليلة الأول منه، فإذا غربت الشمس وثبت دخول الهلال بدأنا في رمضان، ومن أوقع عمرته في ليلة الواحد من رمضان -الليلة التي تسبق نهار الأول من رمضان- فقد أوقعها في رمضان.
عباد الله: الحذر الحذر من المعاصي، فكم سلبت من نعم، وكم جلبت من نقم، وكم خربت من ديار، فما بقي فيها ساكنٌ ولا ديَّار، وكم أخذت من العصاة بالثأر، وكم محت لهم من آثار.
يا صاحب الذنب لا تأمن عواقبه عواقب الذنب تخشى وهي تنتظر
فكل نفسٍ ستجزى بالذي كسبت وليس للخلق من ديانهم وزر
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل البصيرة، اللهم اجعلنا من أهل البصيرة، اللهم اجعلنا ممن عرفوا الشر فتركوه، وممن عرفوا الخير فسلكوا طريقه واتبعوه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.