الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذه الرسالة الثانية من سلسلة رسائل أهل العلم التي نتعرف فيها على بعض ما احتوته تلك الرسائل من الكنوز والعلوم والمواعظ والآداب، والرسالة بعنوان اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي رحمه الله تعالى.
واقتضاء العلم للعمل أي: أن العلم يقتضي العمل به، ومؤلفها هو أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي يكنى بـ أبي بكر وقد اشتهر بـ الخطيب البغدادي، وقد ذكر الخطيب رحمه الله تعالى في تاريخ بغداد في ترجمة والده أن أصله من العرب، وأن له عشيرة كانوا يركبون الخيول، وأن مسكنهم بـ الحصّاصة من نواحي الفرات من بلاد العراق، ولم يكن والده من العلماء المشهورين في فنٍ من الفنون، وإنما كان له إلمام بسيط بالعلم، وقد كان يخطب الجمعة والعيدين بقرية قريبة من بغداد اسمها درزيجان.
ولذلك لم يصف الخطيب والده بأنه من العلماء، وإنما وصفه بأنه أحد حفاظ القرآن، فقال في ترجمة والده في تاريخ بغداد: كان أحد حفاظ القرآن، ويبدو أن لقب الخطيب قد استمر من الأب إلى ابنه؛ لأن الخطيب نفسه قد تولى الخطابة، كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية أنه تولى الخطابة وكان خطيباً للجمعة والعيدين في بغداد، ولم ينفرد الخطيب البغدادي بهذا اللفظ (الخطيب) أو بهذا اللقب، وقد لقب به عددٌ من العلماء، منهم: تلميذ الخطيب البغدادي وهو الخطيب التبريزي رحمه الله وآخرون.
ولد أبو بكر الحافظ أحمد بن علي بن ثابت يوم الخميس لستة من جمادي الآخر سنة (٣٩٢هـ) ونشأ في كنف أبيه، وكان في نشأته قد وكل به أحد القراء ليعلمه القرآن، فتعلم القرآن وحفظه منه، ولما بلغ الحادي عشر من عمره بدأ بسماع الحديث، ثم درس الفقه، ولما بلغ العشرين من عمره عزم على الرحلة في طلب العلم والحديث.
وكان الذي قد حفظّه القرآن وعلمه الكتابة هو هلال بن عبد الله رحمه الله، وتأدب منه، وهذا ما يفيد أهمية تأديب الأولاد في المرحلة المبكرة.