للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من طرق الهداية وأسبابها]

والهداية ليس لها طرقٌ محددةٌ تأتي من خلالها، بل ربما تأتي بطريقة غير متوقعة، بعض الناس ذهبوا إلى بلاد الكفر ليزدادوا ضلالة، فإذا بهم يرجعون هداةً مهتدين، الهداية شيءٌ من الله، لو اجتمع أهل الدنيا على أن يهدوا شخصاً، ما هدوه، وقد يكون بين الكفار فيهتدي، فالذي هداه هو الله عز وجل.

نعم إن للهداية أسباباً، فالعلم الشرعي سبب للهداية الدعاء سبب للهداية المجاهدة سبب للهداية {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] والالتقاء بالناس الطيبين الخيرين هو سببٌ للهداية، وهذه الهداية قد تقع بسبب شخص يجعل الله الهداية عن طريقه، وقد تكون من الله سبحانه وتعالى مباشرةً دون أن يكون هناك سبب من شخص موجود، والهداية قد تأتي للشخص تدريجياً يتغير حاله شيئاً بعد شيء حتى يصل إلى الاستقامة، وقد تحصل له فجأة، فيتغير في ثوانٍ، يقذف الله في قلبه نوراً، فيتغير من تلك اللحظة، وينقلب حاله، أو يرجع في الحقيقة للاستواء بعد أن كان منقلباً منكوساً.

من الأمثلة على دخول الهداية تدريجياً ما حصل لـ جبير بن مطعم، وكان من جملة أسارى بدر، قال: [سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور:٣٥ - ٣٧] قال: كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي] أول ما سكن وثبت {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} [الطور:٣٥] من العدم: {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥] لأنفسهم، أم هم الذين خلقوا السماوات والأرض، فهو يناقشهم مناقشة قوية، قال ابن كثير رحمه الله: فكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة -يعني: هذا سبب، هذا شيء من الأشياء، عامل من العوامل- ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك.

قد تكون الموعظة، أو الخطبة، أو الشريط، أو الكتاب الذي يقرؤه، ونحو ذلك هذا عامل من العوامل، لكن ليس تأثيره قوياً للدرجة الكافية التي تغير الشخص، لكن تجتمع النقاط، فيمتلئ الكأس، كلمة مع خطبة، مع موعظة، مع شريط، يستمع إليه، مع شيء يقرؤه، مع حادثٍ يحصل، مع رؤيا، ونحو ذلك يتغير حال الشخص مع جيرة طيبة، مع تعهد وتفقد من قبل الدعاة إلى الله.