قال رحمه الله:(فاسمعوا أيها الإخوان! نصيحة مشفق) هذه الآن النصيحة تبين السبب الذي من أجله ما قبلوا الإقرار بالصفة، لماذا لم يقبلوا الإقرار بالصفة؟ قال:"فاسمعوا أيها الإخوان نصيحة مشفق، واعلموا أن كل هذا الشر إنما جاء من مسألة وهي: نجس القلب، وتلطخه وتدنسه بأقذار التشبيه، فإذا سمع ذو القلب المتنجس بأقذار التشبيه صفة من صفات الكمال التي أثنى الله بها على نفسه، كنزوله إلى السماء الدنيا بثلث الليل الآخر، وكاستوائه على عرشه، وكمجيئه يوم القيامة، وغير ذلك من صفات الجلال والكمال، أول ما يخطر في ذهن المسكين أن هذه الصفة تشبه صفة الخلق".
فإذاً هذه مسألة مهمة، وهذا تحليل نفسي لنفسية الأشعري، والمؤولين في الصفات والمحرفين لها.
لماذا يلجئون إلى التأويل الذي هو التحريف حقيقة؟ ومن أي شيء ينطلقون؟ مبعثهم الإحساس بالتشبيه، لأنهم اعتقدوا أن هذه الصفة إذا أثبتوها شبهوا الخالق بالمخلوق، قالوا: إذاً هنا لا بد من مهرب ولا بد أن نفر، فلذلك لا يوجد معطل محرف إلا قد كان قبل ذلك مشبهاً؛ لأنه لما اعتقد التشبيه فر منه إلى التعطيل والتحريف، هذه مسألة مهمة جداً، فيدعي أن إثبات الصفة يؤدي إلى التشبيه بصفات المخلوقين، فيكون أولاً: مشبهاً، وثانياً: معطلاً.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، هل ممكن يكون هذا اللفظ غير مراد ولا يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه غير مراد؟ لا يمكن إطلاقاً، هل يمكن أن يكون ظاهر الآيات كفر؟ هم يقولون هكذا، ظاهر بعض آيات الصفات كفر، فنقول: الله أرحم بعباده من أن ينزل عليهم شيئاً ظاهره الكفر، وهل الله يعجز أن يبين العبارة؟ لو كان الله يريد (استولى) لبينها، أي الله عاجز أن يغير، لا تكون الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] وتكون الآية: الرحمن على العرش استولى، ألله عاجز عن هذا؟! كيف نقول: إن هذا أفصح كلام وأبين كلام وأبلغه، ثم نقول: الظاهر غير مراد، بل الظاهر كفر! هم يقولون: اعتقاد الظاهر كفر، إذا اعتقدت أنه استوى تكفر! لماذا؟ لأنهم انطلقوا من التشبيه.