[عقيدة ابن المديني في القرآن]
أولاً: لا شك أن علي بن المديني رحمه الله من أئمة أهل السنة، واعتقاده في سائر أبواب العقيدة هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، وبطبيعة الحال، فإن الكلام في اعتقاده رحمه الله في القرآن لا بد أن يكون جارياً على اعتقاد أهل السنة والجماعة في أن القرآن منزلٌ غير مخلوق، وهذا أمرٌ لا شك فيه، والنقولات عن هذا الإمام تثبت ذلك.
فقد جاء عنه رحمه الله تعالى أنه قال في هذه المسألة: أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى منزلٌ غير مخلوق، ونقل العلماء رحمهم الله عنه عباراته التي تؤدي هذا المعنى.
فيقول إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت علي بن المديني على المنبر يقول: من زعم أن القرآن مخلوقٌ فهو كافر، ومن زعم أن الله لا يُرى فهو كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر.
وقال إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة أيضاً: سمعت علي بن المديني يقول قبل أن يموت بشهرين: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق فهو كافر.
إذاً: اعتقاد الإمام علي بن المديني رحمه الله في المسألة اعتقاد واضح لا لبس فيه من جهة ما يعتقده الرجل في هذه القضية، لكنه -ولا شك- بحسب الروايات التي جاءت لم يكن موقفه في القوة والصلابة مثل موقف الإمام أحمد رحمه الله، ولعل له عذراً في ذلك، فالرجل قد سُجِن وضُرِب.
يقول علي بن الحسين بن الوليد: حين ودعت علي بن عبد الله بن جعفر -أي: ابن المديني - قال: بلغ أصحابنا عني أن القوم كُفَّار ضُلاَّل، ولم أجد بُدَّاً من متابعتهم؛ لأني جلست في بيت مظلم ثمانية أشهر، وفي رجلي قيد ثمانية أمنان حتى خفت على بصري.
فإذاً: واضح أنه رحمه الله قد أُكْرِه على قول الباطل، وهذا هو صريحٌ في قوله: ولم أجد بُدَّاً من متابعتهم.
والإكراه واضح من قوله: "لأني جلست في بيت مظلم ثمانية أشهر، وفي رجلي قيد ثمانية أمنان حتى خفت على بصري".
واعتقاده في المعتزلة الذين يقولون بخلق القرآن وحملوا الناس على ذلك، قال: بلغ أصحابنا -أي: أهل السنة وأهل الحديث- عني أن القوم كُفَّار ضُلاَّل، ولم أجد بُدَّاً من متابعتهم.
ويقول ابن المديني -رحمه الله- أيضاً: ما في قلبي مما قلتُ وأجبتُ إليه شيء -الذي قلتُ وأجبتُ إليه وأنا مُكرَه ليس اعتقاداً بقلبي- ولكني خفت أن أقتل، وتعلم ضعفي أني لو ضُربت سوطاً واحداً لَمُتُّ.
وذكر رجلاً من الرواة وتكلم فيه مرة، فقال له العباس بن عبد العظيم العنبري: لا يقبلون منك، إنما يقبلون من أحمد بن حنبل -أنت بسبب موقفك، ما ثَبَتَّ، لا يأخذون بقولك في الرجال، بل يأخذون بقول أحمد قال: قوي أحمد على السوط وأنا لا أقوى.
فيظهر من هذه النصوص أن الإمام علي بن المديني رحمه الله كان نحيل الجسم، ضعيف التحمل، ليس معه من القوة الجسمية ما يعينه على تلقي الضرب وهو معذور، والله تعالى قد قال: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل:١٠٦] ولكن مع ذلك فإن ابن المديني رحمه الله ظل يشعر بالندم على ما حصل منه تحت هذا الإكراه، وعدة روايات تُنْقَل عنه في تأسفه وتندمه، ونقلها العلماء.