إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها المسلمون: لقد ندب الله عباده إلى الصدقة ودعاهم إليها وحثهم عليها، وبين لهم الثواب الجزيل فيها، وجعل باباً من أبواب الجنة خاصاً بالمتصدقين، فكما أن للجنة باباً يقال له باب الصلاة يدخل منه المصلون، وكما أن لها باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون، فكذلك فيها باب للجهاد يدخل منه المجاهدون، وبابٌ للصدقة يدخل منه المتصدقون كما ورد بذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والصدقة بالمال يربيها الله لصاحبها فتتضاعف أضعافاً كثيرة، ولا يجزي أحد على شيء كما يجزي ربنا على الصدقة التي تخرج خالصةً لوجهه سبحانه وتعالى، هذا من حكمة الدين، هذا من الحكمة في تشريعات هذا الدين أن جعل الله للفقراء من المسلمين فرجاً ومخرجاً من صدقات إخوانهم المسلمين.
والحديث عن الصدقة طويل، فإن الحديث عن حكمتها ومشروعيتها وفضلها وأجرها وأحكامها حديث طويلٌ لعلنا نتطرق إليه في وقت آخر، وذلك لأن الشح قد كثر في المسلمين وخصوصاً بعد هذه الأحداث العادية صار الكثيرون يدخرون ويوفرون أموالهم للمستقبل زعموا، فبخلوا بالصدقات ونسوا الأجر الذي كان مكتوباً في كتاب الله سبحانه وتعالى للمتصدقين، وكثيرٌ من الناس الذين يريدون التصدق وأموالهم قليلة قد يتحسرون، فهل جاءت الشريعة بأمور من الصدقات غير الصدقات المالية؟ وكثيرٌ من المتصدقين الذين يتصدقون بأموالهم يغفلون عن جوانب خفية للصدقة جاءت بها الشريعة، وكثيرٌ من المسلمين تصورهم للصدقة ناقص، فيتصورون أن الصدقة بالأموال فقط، من أجل ذلك كانت هذه الخطبة التي نبين فيها جوانب للصدقة قد يغفل عنها الناس مع أنهم قد يسمعون أحاديثها ولكنهم لا يقدرون قدرها، فهذا التنبيه على هذه الأبواب الخفية أو المتغافل عنها أو غير المحتسب فيها الأجر، فإن كثيراً من الناس قد يقومون بها دون احتساب أجر.