الآن ننتقل إلى مشكلة أخرى وهي تأخر الأزواج عن الرجوع إلى البيت، بعض الرجال يعكف عند زوجته مرابطاً طيلة الوقت ويقول: أيها الإخوة! آسف! حلقات العلم أعتذر عنها، أنا تغيرت حياتي وتزوجت وصار عندي مسئولية، وأنا إنسان الآن في أسرة، فأنا أعتذر منكم عن جميع الأشياء العلمية والحلقات الشرعية، وأعتذر عن دعوة فلان وفلان؛ لأنه متعلق بزوجته تمام التعلق بحيث إنه لا يفارقها لحظة واحدة، كله مع الزوجة، لا عطاء في الدعوة لا في طلب العلم، ولا عطاء للمجتمع، ولا زيارات اجتماعية، ولا صلة رحم، ولا دعوة الجيران والأقارب إلى آخره، هذه الأشياء كلها راحت مع الزواج، وهذا قد يكون منعطفاً من المنعطفات السيئة.
في المقابل: بعض الأزواج، عندهم العكس تماماً، سبحان الله! الأمور دائماً تكون بين إفراط وتفريط، الحق وسط بين طرفين، فيتأخر دائماً في الرجوع إلى البيت، لا تراه زوجته إلا نادراً، لا يراه أطفاله أبداً لأنه أصلاً عندما يرجع إلى البيت متأخراً يكون الأطفال قد ناموا، فيحرم الأولاد من ملاعبة أبيهم لهم وحنانه عليهم، وتربيته وتأديبه لهم؛ لأنه دائماً خارج البيت بعض الناس قد يذهبون في أشياء شرعية، لكن بعض الناس يذهبون في أشياء دنيوية، وتقول: إن زوجي لا يرجع من العمل إلا في الساعة الثالثة في الليل، هذا ليس نظاماً بل هذا شتات، هذا رجل عنده وظيفة عادية -تجارة- لكن من فرط انشغاله بتجارته لا يرجع إلا متأخراً في الليل، العمل والأشغال والأعمال والتجارات وهكذا، وبعضهم قد تكون أسباب الانشغال أو التأخر أشياء شرعية: كنا في حلقة علم، كنت مع شباب طيبين كنت في مشروع خير وكذا.
فالآن لا بد أن يكون الإنسان متوازناً، فلا هو الذي يمتنع عن عمل الخيرات ويلتصق بالبيت، ولا هو الذي يرجع دائماً متأخراً في الليل، قد تستطيع أن تجعل لك يوماً أو يومين أو ثلاثة تخرج من البيت وقد تتأخر، لكن لماذا تتأخر طيلة أيام الأسبوع؟ ثم إن الأزواج يختلفون، بعضهم قد يكون عنده مسئوليات دعوية وعلمية كثيرة جداً، وبعضهم قد يكون عنده مسئوليات قليلة في هذا الجانب، والزوجة لا بد أن تعذر زوجها من أي نوع، مثلاً: امرأة الزهري تقول: إن كتبه أضر عليّ من ثلاث ضرائر؛ أي: من عكوفه على العلم، وفرق بين العالم وغيره؛ أي: زوجة العالم ينبغي أن تعذره أكثر من زوجة الإنسان العادي، وزوجة طالب العلم أو زوجة الداعية ينبغي أن تعذره أكثر من الشخص العادي الذي ليس عنده إمكانيات في هذا الجانب.
أرى أن الوقت انتهى تقريباً وأرى أن المسألة ما اكتملت، وانظر إلى المشاكل ما أكثرها، فالله يكفينا شر المشكلات، ولذلك الظاهر أنه ينبغي أن نعدكم بمحاضرة أخرى نكمل فيها الكلام على بقية المشكلات، والحقيقة أن هذه أشياء واقعية واجتماعية مأخوذة من الواقع وليست أجنبية أو غريبة، ونسأل الله سبحانه تعالى أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يوفقنا لحياة زوجية مستقرة، وأن يرزقنا تقواه في السر والعلن، وصلى الله على نبينا محمد، وإلى لقاء قادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.