ينبغي لطالب العلم أن يكون جُل همته مصروفاً إلى الحفظ والإعادة، فلو صح صرف الزمان إلى ذلك كان الأولى، أهم شيء لطالب العلم أن يحفظ، غير أن البدن مطية، وإجهاد السير مظنة الانقطاع، وكان الخليل بن أحمد رحمه الله يقول مبيناً أهمية الحفظ لطالب العلم: الاحتفاظ بما في صدرك أولى من حفظ ما في كتابك، واجعل كتابك رأس مالك، وما في صدرك للنفقة.
وقال عبد الرزاق رحمه الله: كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علماً.
لأن الصفحات والكتب التي فيها ذكر الله لا يُمكن أن تدخل الحمام، لكن الحفظ الذي يكون في صدر الحافظ يذهب معه في كل مكان.
وقال هبة الله البغدادي:
علمي معي أينما همت يتبعني بطني وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق
وقال عبيد الله الصيرفي:
ليس بعلم ما حوى القمطر ما العلم إلا ما حواه الصدر
وقال ابن شديد الأزدي:
أأشهد بالجهل في مجلس وعلمي في البيت مستودع
إذا لم تكن حافظاً واعياً فجمعك للكتب لا ينفع
فبعض الناس يكثرون من شراء الكتب، وترى كثيراً من الشباب إذا صارت الفرصة في معارض الكتاب اشتروا الكتب، وهذا أمر مهم لا يمكن التزهيد فيه؛ أن يحوي المراجع عنده، ويشتري من الأمهات والكتب المهمة والرسائل النافعة ما يعينه على الطلب والبحث، ولكن الأهم من هذا كله هو الحفظ.
وبعض الأغبياء يهونون من أمر الحفظ، فإذا رأوا شخصاً حفظ صحيح البخاري مثلاً، قالوا: وماذا استفادت الأمة لما زادت نسخه من صحيح البخاري؟ فهؤلاء ما علموا أهمية الحفظ ولا علموا فائدته.
الحفظ: هو الذي يجعل العلم في صدرك فتستفيد منه، فإذا احتجت إليه كان معك؛ في تعليم، وفي دعوة، وفي نصيحة وفي فتوى، حتى في تحضير الدروس، وعدد من العلماء الكبار لا يحضرون الدروس؛ لأن العلم في صدورهم محفوظ، ومن العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، لم يكن يحضر دروسه مطلقاً؛ لأن العلم في صدره مستودع، ومتى احتاجه وجده، فلو كان في سفر ليس معه مكتبته ولا مراجع فعنده العلم في صدره.