للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رؤية الله تعالى يوم القيامة]

إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله يرى في أرض المحشر، يوم يحشر الله الأولين والآخرين، ولما سأل الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام عن رؤية ربهم؛ ضرب لهم مثلاً ليقرب لهم الأمر، فنظر إلى القمر ليلة البدر، وهو عليه الصلاة والسلام أجود الناس في التعليم، ويستعمل أحسن الأساليب في التعليم، فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال: (إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر) سألهم: هل تضارون؟ هل تنازعون؟ هل تضايقون في رؤية هذا القمر الذي في السماء؟ لا تضايقون ولا تزاحمون، وفي رواية: لا تضامون، فلا يحجب بعضكم بعضاً عن الرؤية فيحصل له ضرر، فإذاً: لن تكون هناك مضارة بازدحام، ولن يحجب العباد بعضهم بعضاً عن رؤية الله تعالى، ولن يظلم أحد في رؤيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عن رؤيته عز وجل: ترونه كذلك كما لا تضارون الشمس في رؤية، وخص الشمس والقمر لأنهما الكوكبان المنيران في السماء في وقت ليس فيه سحاب، كيف تكون الشمس؟ وكيف يكون القمر في هذا النور وفي هذا الضياء وفي هذا الجمال والكمال؟ ولكن الله عز وجل جميل، أجمل من أي شيء من المخلوقات؛ جماله سبحانه وتعالى صفة له تليق بجلاله وعظمته، الله جميل إذا نظر إليه أهل الجنة نسوا كل النعيم الذي هم فيه، ولذلك لذة النظر إلى وجهه لا تعادلها لذة، ولذة النظر إلى وجهه الجميل الجليل لا تدانيها لذة، ولا تقارنها لذة، فهي تنِسي كل لذة، فما أعطوا نعيماً أحب إليهم من النظر إلى وجهه.

سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن رؤية الشمس وعن رؤية القمر، والقمر الذي يرى في الليلة الصافية ولا يؤذى أحد في رؤيته، استدل به الخليل على الوحدانية، واستدل به الحبيب على إثبات الرؤية؛ فإن إبراهيم الخليل قال لقومه لما نظر إلى القمر ورآه بازغاً، قال لهم محاجاً لهم: {قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام:٧٧] فأراد إبراهيم أن يستدرجهم وأن يماشي عقولهم ويقول: أنتم تعبدون الكواكب، وهذا القمر قد أفل، فكيف يكون الإله حاضراً ثم يغيب آفلاً؟ لا يمكن أن يكون! فاستدل الخليل بالقمر، واستعمله في الوحدانية، والنبي عليه الصلاة والسلام استعمله في إثبات الرؤية حساً ويقيناً، بخلاف ما يقوله بعض أهل البدعة الذين ينكرون رؤية الله عز وجل، ولذلك يقال لهم: ما دمتم أنتم تقولون بعدم رؤيته، فلعلكم تحرمون رؤيته، إذا كنتم تنفون رؤية الله فربما تحرمون من رؤيته بسبب بدعتكم هذه، وهذا المذهب الذي ذهب إليه المعتزلة وغيرهم من الخوارج والأباضية في مسألة رؤية الله عز وجل، وقد أثبته الله سبحانه وتعالى بقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] فهي من النظر لوجه الله فيها نضرة ونعيم.

وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد أخبر أن المؤمنين {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:٢٣] إلى وجه الله {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيم} [المطففين:٢٤] وأما الكفار فإنهم سيرونه -أولاً- ثم يحجبون عنه ليزدادوا حسرة وألماً، قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] فيتوارى الله عنهم؛ فيكون ذلك من عذابهم.