كان الشيخ -رحمه الله- عالماً ورعاً فيما نحسب، وقد يفتي بجواز أشياء ويترجح لديه إباحتها ولكنه لا يستعملها ورعاً كالكحول، فأخبر أنه لا يضع الطيب الذي فيه كحول؛ ولكنه قال: ولكني قد أستعمله في تعقيم الجروح.
ومن قصص ورعه: أن الكلية قد كلفته مرة أن يضع منهجاً لأحد المراحل، وخففوا نصابه التدريسي لأجل ذلك، ليكون عنده شيءٌ من التفرغ لإتمام ذلك المنهج في الوقت المحدد، وبعد أن فرغ من إتمامه -رحمه الله- صرفت له الكلية مكافأة، وهي تصرف له ولغيره ممن يضع المناهج، ويكتب هذه المواد الدراسية، فاستغرب الشيخ من تسليمه هذه المكافأة، وأخذها إلى أحد مسئولي فرع الجامعة ليعيدها، فاعتذر بأدبٍ عن استرداد المبلغ؛ لأن الشيخ قبل بالتكليف، ولوائح الجامعة وأنظمتها تنص على صرف مثل هذه المكافأة، وإعادة المبلغ بعد صرفه فيه إرباك للإدارة المالية هي في غنى عنه لم يعجب الشيخ تصرف الكلية بعدم أخذ المال، وذهب إلى مدير الجامعة لإعادة المال الذي حاول بدوره إقناع الشيخ بأحقيته بهذه المكافأة، كما تنص عليه أنظمة الجامعة، فرد الشيخ -رحمه الله- بأن الكلية حينما كلفته بالتأليف خففت عنه نصاب التدريس وأنه استفاد من هذا التخفيف في التأليف وهذا مقابل هذا، فلماذا إذاً يعطى شيئاً إضافياً وهو لا يستحقه، فاقترح عليه مدير الجامعة أن يتصدق بالمبلغ، ولكن حتى هذا الاقتراح لم يقبله، وأصر على إرجاع المبلغ وبعد ذلك تتصرف به الجامعة.
حدثني ضابط مرور، قال: وهذه القصة حصلت معنا، وإذا أردت أن تذكرها فاذكرها، خرج الشيخ مرة مع شخصٍ بسيارته -بسيارة هذا الشخص- يقودها من عنيزة إلى بريدة في مهمة في مشروع خيري، فأسرع السائق المرافق للشيخ، وكان في الطريق نقطة تفتيش على السرعة الزائدة، فأوقفوا السيارة لإعطاء المخالفة، فنظر العسكري في السيارة فإذا فيها الشيخ محمد بن صالح العثيمين فاستحيا، وقال: تفضلوا امشوا، فمشت السيارة، وبعد برهة يسيرة قال الشيخ للذي معه: لماذا أوقفونا؟ قال: لأجل السرعة الزائدة، قال له: ارجع إلى هذه النقطة، فاستدار ورجع على أمر الشيخ، فلما وصل إلى المكان قال لهذا العسكري: لماذا أوقفتنا قبل قليل؟ قال: يا شيخ! كان في سرعة زائدة، قال: ولماذا تركتنا نمضي؟ قال: قلت لعلكم مستعجلون وعندكم مسألة مهمة، قال: لا.
كم هي مخالفة السرعة؟ قال: يا شيخ! لا داعي لذلك! قال: كم هي مخالفة السرعة؟ قال: ثلاثمائة ريال، قال الشيخ: هذه مائة وخمسون مني ومائة وخمسون تأخذها من هذا لأنه خالف، ولأني لم أنصحه، وأصر على دفع المبلغ.
ومن احتياطه لأموال المسلمين: أنه سلم مرة رئيس جمعية خيرية كيس تبرعات فيه مال وفير، فلما أخذه هذا وانطلق به إلى سيارته لحقه الشيخ إلى السيارة، وقال: انتبه! إن في الكيس نصف ريال، كأن الشيخ خشي أن ينسوه حين تفريغ الكيس؛ لأنه نصف ريال، وهذه صدقة مسلم قد تقع عند الله موقعاً عظيماً، وهي أمانة، وإذا وكلت ذكر الموكل.