[نعمة العافية]
وردني سؤال يتعلق بأحكام الطهارة -الوضوء- كأن يكون على اليد حائل -مثلاً مرهم- يمنع وصول الماء.
القصة: أن عائلة فيها ولدان مرضهما أنه ظهر طفح في الجلد ثم أصبح بثوراً، ثم تحولت إلى أورام سرطانية دقيقة أو صغيرة لها جذور في الجلد إلى الداخل، ولا يمكن لهذا المريض أن يرى النور -يعني: النور يضره جداً- فلذلك لا يمكن أن يجلس تحت أنوار، ولا في أشعة الشمس، ولا حتى أمام نور شاشة التلفزيون، ولابد أن يضع نظارة طوال الوقت ما عدا وقت النوم، ولابد أن يدهن الجلد كله بمرهم عازل للضوء (عازل للأشعة أربعة وعشرين ساعة) والمرض لا يعرف له علاج في العالم، وفي المستقبل قد يزداد حتى يضرب في مناطق الأعصاب فيسبب آلاماً رهيبة.
الآن تأمل حال الأم المنشغلة بهؤلاء الأولاد، كيف يكون البيت بلا نور! لابد أن تساعدهم في دهن الجسم بالمرهم دائماً.
تصور بيتاً فيه أولاد فيهم عاهات، أو كبار في السن وفيهم عاهات، يحتاج هذا المريض إلى شخص يأخذه، وآخر يطعمه وآخر يسقيه، ويحتاج إلى من يخرج له الفضلات، وينقله من الحمام إلى الغرفة، وغيرها من الأعمال.
والله عز وجل له حكمه، ولله في خلقه شئون، لكن نحن بسبب الصحة غافلون، ولو أردت أن تعرف شيئاً من الحقيقة فادخل إلى مستشفى من المستشفيات، وتأمل في حال المرضى في الأقسام المختلفة، سئل الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله هل يجوز زيارات المستشفيات للاعتبار، قال: نعم! يمكن للشخص أن يذهب للمستشفيات ليعتبر، وعندما نعلم هذه الأشياء لا بد أن نتأثر لكي نستغل الصحة التي نحن فيها الآن، لأننا لا نعلم حقيقةً ماذا سيحدث لنا في المستقبل، قد يحدث لنا مرض أو عدة أمراض أو مرض مزمن -نسأل الله العافية- لكن الإنسان عليه أن يتعظ ويأخذ عبرة.
فنعود ونقول: الناس أصناف، منهم من دخله كبير، ومنهم من دخله يحتاج إلى عمل شديد، الإنسان الذي عنده شركات، غير العامل الذي يشتغل في الشمس وفي البناء ساعات طويلة، والشخص الذي في بداية الزواج غير الشخص الذي عنده أولاد، والشخص الذي في بداية الوظيفة، ليس مثل الشخص الذي عنده تطور في الوظيفة ودخل فيها وتشعب، وازدادت مسئولياته الوظيفية، ما هو المقصد من وراء ذكر هذه المسألة؟ أن الله عز وجل يؤاخذ الناس على حسب النعم التي أعطاهم إياها.
فأنت لا تتخيل -مثلاً- أو لا تظن أن الشخص الذي عنده عقارات تأتيه الإيجارات هكذا في نهاية السنة وهو جالس! لا.
وإنما يتعب ويعمل مثل العامل الذي يضطر أن يشتغل ست عشرة ساعة في اليوم في الشمس وفي البرد أحياناً، لا تتخيل أن الرجل الذي عنده وقت سواء كان طالباً أو أعزب أن حسابه عند الله مثل الرجل المتزوج الذي عنده مسئوليات وأولاد، وهكذا.
وكذلك المرأة -مثلاً- عندما تكون فتاة في مقتبل العمر ليس عندها مسئولية، أمها هي التي تطبخ وهي التي تنظف البيت، أو أن في البيت خادمات -والعياذ بالله من خادمات السوء- هذه المرأة عندما تكبر وتتزوج، وهي متزوجة قبل الأولاد حسابها يتغير عندما يأتيها أول ولد، وحسابها غير ذلك عندما يصير لها ولدان، وحسابها يختلف عندما يصير عندها خمسة أو سبعة أولاد.
ولذلك اغتنم فراغك قبل شغلك، هذه حكم نبوية لها مدلولات عظيمة، لكن أكثر الناس لا يعلمون، وأكثر الناس لا يفقهون، ولا يتفكرون، ولا يتعظون، تستهلكهم الحياة دون أن يخططوا شيئاً للمستقبل ودون أن يحتاط الآن للمستقبل.
كذلك يضاف إلى ما سبق قبل أن ننتقل إلى نقطة أخرى: أن الناس بالنسبة للإجازات مختلفون، مثلاً الطالب قد يكون عنده عدة أنواع من الإجازات كما ذكرنا، إجازة صيفية وأحياناً تكون شهرين أو شهرين ونصف أو ثلاثة شهور، إجازة الربيع أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وقد تكون عنده إجازات مختلفة، بخلاف الموظف فإنه قد لا يكون عنده إلا شهر أو شهر ونصف، وعطلة نهاية الأسبوع.
إن الشاب يختلف عن رب الأسرة، فالطالب عندما تكون عنده إجازة يستغلها فيما يشاء، لكن رب العائلة عندما تصبح عنده إجازة يشغلها في أشياء مختلفة، كأن تكون عنده حاجة تحتاج إلى تصليح أو يريد أن يسافر، وهكذا تجد أن إجازات بعض الناس هي أشغال في الحقيقة، أكثر من أيام الوظيفة، بينما إجازات بعض الناس هي عبارة عن فراغ في فراغ في فراغ.