للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما تضمنته أحاديث أشراط الساعة]

هذا الحديث -الذي مر معنا- تضمن عدة فقرات: أولها: (حتى تقتتل فئتان) وقد ذكر شراح الأحاديث أن هاتين الفئتين هما فئة علي، ومعاوية رضي الله تعالى عنهما، وكان لكل منهما دعوة، فأما معاوية رضي الله عنه فإنه كان يطلب القصاص من قتلة عثمان، وعلي رضي الله عنه كان يريد أن يبايعه أولاً، ثم ينظر في قتلة عثمان، ومعاوية رضي الله عنه كان ولي الدم يريد المطالبة أولاً بقتلة عثمان وحصل ما حصل بين الصحابة، ونحن نمسك عما جرى بينهم، ولا نتكلم فيه، ونترضى عنهم، ولكن نقول: ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وقع فعلاً، ووقعت الفتنة وكان قتل عمر هو كسر الباب الذي دخلت فيه الفتن على المسلمين، وقضى الله قضاءه، وشاء ما شاء، وقدر ما قدر، فقتل في تلك الأحداث من قتل من خيار المسلمين.

وكان للمنافقين ولـ عبد الله بن سبأ اليهودي وغيره من أهل الشر الدور العظيم في حصول تلك الفتن.

ثانيها: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك دجالين قريب من ثلاثين يبعثون، والمقصود ببعثهم هو ظهورهم، لا بعث الرسالة، فإن بعث الرسالة يكون للأنبياء، وقال في الحديث: (قريب من ثلاثين) وجاء في رواية عند الإمام أحمد رحمه الله: أن هؤلاء يبعث سبعة وعشرون منهم أربع نساء ويكون ما ذكر من الثلاثين هو جبر للكسر.

أما بالنسبة لمن ظهر، فقد ظهر عدد من الدجالين منهم مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، الذي رجع، وتنبأت سجاح امرأة وتزوجها مسيلمة ثم رجعت بعده، فهؤلاء قد ظهروا، فذكر الإمام أحمد رحمه الله عن حذيفة بسند جيد (سيكون في أمتي كذابون دجالون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة، وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي)، جاء في هذه الرواية قال: (كلهم يزعم أنه رسول الله)، أي: يدعي النبوة.

ومدعو النبوة كثر، ادعى النبوة ناس كثيرون ربما كانوا بالمئات، ولكن رءوسهم الذين كان لهم شأن كبير وفتنة كبيرة وعظيمة وأتباع، وربما صار قتال عظيم بينهم وبين المسلمين، فهؤلاء لا يتجاوزن الثلاثين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالمدعون الصغار للنبوة كثر.

ثالثها: قال في هذا الحديث: (وحتى يقبض العلم)، فأما قبض العلم فهو ظاهر؛ لأن قبض العلم سيكون فيه ذهاب العلم والعلماء؛ لأن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من الصدور، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا قبض الله العلماء بقي الجهال، فاتخذ الناس رءوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.

وكذلك فإن من الظواهر التي تدل على ذهاب العلم: أن يلتمس من يعلم المسألة فلا يوجد إلا بشق الأنفس، وربما لا يصل بعض الناس إلى من يسأله، فيظهر الجهل ويظهر مفتون كذبة، بعضهم يفتي بالهوى، وعلى ما يريد الناس، ولأجل المال والدنيا، وبعضهم يفتي بالجهل حباً للترأس، ولأن يسأل ويكون له مكانة بين الخلق.

وهذا الشيء قد رئي عياناً، فقد نقص العلم وظهر الجهل، وقد حصل ما حصل من قبض العلم بموت كثير من العلماء، والمراد بالعلم بطبيعة الحال هو: علم الكتاب والسنة، والعلماء هم ورثة الأنبياء، فالعلماء مع قلتهم لا يزالون في فناء ونقصان، وسيكون نهاية رفع العلم -كما قلنا- بزوال المصاحف والقرآن من الأرض، وأن يبقى الناس جهلة ما فيهم واحد يذكر الله عز وجل.

وهذا الحديث كونه يشير إلى ذهاب العلم لا يعني الاستسلام، وأن يقال: إن هذا وقتنا الذي سيذهب فيه العلماء ولا يبقى فيه أحد، لا.

وإنما هو حذرنا من وقوع هذا الشيء، وليس بالضرورة أن يقع في حياتنا وفي زماننا، فقد يقع بعدنا بمدة، ولذلك فإن على المسلمين مسئولية في نشر العلم، حتى لا نكون نحن في الزمن الذي تقع فيه هذه الكارثة.

وكذلك يكون مقاومة انتشار الجهل بحفظ الكتاب والسنة، وكلام العلماء والجلوس إليهم والأخذ عنهم، وكذلك تحصيلهم للقراءة في الكتب، وسماعه ونشره بالطباعة والتسجيل وغير ذلك من الوسائل حتى لا نكون نحن هذا الجيل السيئ الذي ينتهي فيه العلم، ولذلك كان من بركة اليقظة الإسلامية المعاصرة انتشار العلم ونشره بين المسلمين.

رابعها: وأما بالنسبة لقضية كثرة الزلازل فقد وقع كثير منها في البلاد الشمالية والشرقية والغربية، والمقصود بكثرتها شمولها ودوامها، لذلك جاء في حديث أحمد: (وبين يدي الساعة سنوات الزلازل)، وعند الإمام أحمد عن أبي سعيد (تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة)، وما نسمعه في هذا الزمان من مسألة كثرة الزلازل أمر مشاهد، فإنك تسمع بالأخبار العظيمة التي فيها القتلى الكثر، وتخريب المدن والمنشآت ونحو ذلك، وهذا حق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر به.

والزلازل هذه لها صور ولها أشكال، قد تكون حركة واضطراباً وكسفاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن حوالة رضي الله عنه لما وضع يده على رأسه، قال: (يا بن حوالة! إذا رأيت الخلاف قد نزل في الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذٍ أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك).

الناس يقولون: إنه قد مضى وقت وما حدث شيء ونحو ذلك، فالناس يستعجلون {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:٤٧].

خامسها: قوله في الحديث: (يتقارب الزمان) إما أن الزمان يسرع إسراعاً أكثر من قبل، وإما أن البركة تزول، بحيث إنك لو كنت تعيش قبل ألف سنة مثلاً لأمكنك أن تعمل من الأعمال في الأربع والعشرين ساعة أكثر مما تعمله الآن بكثير، ولا يمنع أن يكون الأمران مجتمعين، فيسرع الوقت وتنزع بركته، وقد ذكر العلماء أن الزمن يسرع أكثر منذ قبل، فليس هذا مستبعداً، فالعلماء فسروا تقارب الزمن بتفسيرات منها: الإسراع.

قد يعود ذلك إلى تسارع في حركات الكواكب أو ما أشبه ذلك والله أعلم به، ولكن نزع البركة معروف، وقد ذكر العلماء نزع البركة، وكذلك إسراع الزمان، ويمكن أن يكون تقريب المسافات بالوسائل العصرية في المواصلات والنقل داخل في هذا، وكذلك انتقال الصوت بهذه الأجهزة التي قربت البعيد، فتتكلم معه من بعد كبير في مكانك.

سادسها: قال: (وحتى يكثر فيكم المال فيفيض) أي: أن هذا المال يأتي عليه وقت يكثر فيه، بحيث إنه يزيد عن حاجة الناس، فقد حصل في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن الناس طافوا بالزكاة والصدقات ليوزعوها على الفقراء فلم يجدوا من يقبلها وأغنى عمر الناس.

سابعها: جاء في الحديث (تطاول الناس في البنيان)، وقد حصل ذلك، فكل من كان يبني بيتاً يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر، وربما يكون هذا من المباهاة، وربما يدخل فيه أيضاً المباهاة في الزينة والزخرفة، فالارتفاع الحسي والارتفاع في قيمته وفي زخرفته وفي تشييده وتزيينه، ارتفاع حسي ومعنوي من جميع الجهات، فهم يتطاولون فيه علواً، ويتطاولون فيها أيضاً زخرفة وتشييداً.

ثامنها: (وحتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني! مكانك)، أي: يتمنى الموت من شدة البلاء، وقد حصل هذا، وإذا كان الإنسان لا يجوز أن يدعو على نفسه بالموت، لكن قد يقع في بعض الأحيان أن يتمناه إذا كان يخشى على دينه، لأنه قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحييني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي).