[من فوائد حديث علي وفاطمة]
وفي هذا الحديث أن الإنسان يحمل أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على الدنيا إذا كانت له القدرة على ذلك، لأن بعض النساء قد لا تكون لها القدرة، فربما لو أنه أراد أن يحملها على شيء من الشدة طلبت الطلاق وخرجت من البيت وتركت له البيت والأولاد، وكثير من النساء بفعل ما في المجتمع من الانحرافات والترف ترسخ في ذهنها قضية البحث عن الماديات (طلب الخدم) وأنها ربما لا تعمل شيئاً وتلقي بكل شيء على الخدم، وتتفرغ هي لذهابها خارج البيت ومشاويرها وسهراتها، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أوصى بذات الدين لأجل أنها تحرص على الدين وتقيم له الوزن العظيم، ولذلك فإن الإنسان لابد أن يكون حكيماً، قد يجد أحياناً في نفسه شيئاً من الزهد لكن أهله لا يطيقون، لكن إذا كانوا يطيقون حملهم معه على الزهد.
كذلك استدلوا بالحديث على جواز دخول الرجل على ابنته وزوجها بغير استئذان، لكن هذا فيه نظر؛ لأنه جاء في بعض طرق الحديث أنه استأذن.
وكذلك في هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم معصوم فلا يقاس على غيره من غير المعصومين، كما إذا جاء ودخل وجلس بينهما، ثم إن هذا الحديث فيه إظهار الشفقة على البنت والصهر، فإنه أتاهما في بيتهما وجلس بينهما، وقال: ألا أعلمكما؟ فيؤخذ منه أن على الإنسان أن يبر بصهره، فلو قال أحدهم: زوج البنت ليس من الأرحام، لقلنا: نعم.
ليس من الأرحام لأن الرحم قرابة الرجل من جهة أبيه وأمه، لكن كونه ليس من الرحم لا يعني أنه لا يبر ولا يحسن إليه، فإن الأصهار لهم -أيضاً- معاملة حسنة في الإسلام، فمن ذلك هذا الحديث.
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم جاء مرة المسجد فوجد علياً رضي الله عنه مضطجعاً على التراب فجعل ينفض عنه التراب وقال له: (قم يا أبا تراب) يداعبه، فصار علي رضي الله عنه لا يحب إلا هذه الكنية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها لما لاصق التراب، وكان قد خرج من البيت عندما حصل بينه وبين فاطمة رضي الله عنهما شيء، فخرج إلى المسجد فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليه ليطيب خاطره.
وكذلك: فإن مواقف النبي عليه الصلاة والسلام مع علي وفاطمة متعددة تدل على أنه كان يبر بصهره كما يبر بابنته صلى الله عليه وسلم، وعلى أن الإنسان إذا كان عنده زوج بنت أو زوج أخت أن عليه أن يصلح من شأنهما وألا يقول: ليس لي دخل فيهما ولا في حياتهما، بل إنه كلما استطاع أن يحسن العلاقة ويدخل السرور، وأن يسعى في دوام الألفة، ويزيل سوء التفاهم، وأن عليه أن يفعل ذلك وهو من الواجبات.
وكذلك في هذا الحديث: أن من واظب على هذا الذكر لم يصبه الإعياء، لأن فاطمة شكت التعب فأحالها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا، أفاد هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وهذا يدل على أن الذكر له أثر في تقوية البدن كما تقدم، فإذاً من فوائد الذكر أنه يقوي البدن كما أنه يقوي القلب، فهو يزيد النفس ثباتاً، والقلب طمأنينة، والإنسان رباطة جأش، كما أنه يقوي الجسد وهذا دليل على ذلك.
وكذلك: فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتني بزيارة بنته في بيتها، ولا يقطعها بعد الزواج كما يفعل بعض الناس إذا تزوجت ابنته كأنما هو شر ألقاه عن عاتقه، ولا يسأل عنها ولا عن بيتها ولا عن حالها، فهذا تفقد منه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك في هذا الحديث: أن الإنسان يعطي الأوكد فالأوكد والأكثر استحقاقاً، وبعض الناس الآن إذا جاء يعطي الزكاة ربما حابى بها قريباً أو أعطى شخصاً ليس بفقير ذاك الفقر، مع وجود شخص مستحق وأشد حاجة وأفقر؛ لكن بالمحاباة يترك الأفقر والأحوج ويعطي الأقرب أو من له علاقة به ونحو ذلك، والرسول مع أنها ابنته وزوج ابنته لكن قدم الأوكد -الأفقر الأحوج- فمع أن هذه ابنته وزوجها لكن ما أعطاهما على حساب الأحوج، وإنما قدم الأحوج.
وفي هذا الحديث كذلك: أنه إذا حصل ازدحام في الحقوق فإنه يؤثر صاحب الحق الأقوى، وفيه جواز أن تشتكي البنت لأبيها ما تلقاه من الشدة، ولم ينكر عليها أنها اشتكت، فلو اشتكت -مثلاً- تعب العمل في البيت، واشتكت من أذى أطفالها وأنها تلقى شدة في تربيتهم، أو أنهم يتمردون عليها أو أنهم يعاندون ونحو ذلك فإن لها أن تشتكي لأبيها، وأن الأب عليه أن يقوم بدور الناصح الموجه، وأن مسئوليته عن ابنته لم تنته بتزويجها، وإنما هي مستمرة في التسديد والإصلاح والنصيحة وتخفيف ما يصيب البنت من نتيجة أعباء الزواج؛ لأن البنت في بيت أبيها قد تكون مدللة، وقد يكون عندها من يخدمها، فإذا انتقلت إلى بيت رجل آخر صار حمل البيت عليها، وأيضاً بالإضافة إلى ذلك وخدمة الزوج الجديد وما يضاف من الحمل والوحام، وهو ما يصيب من الإرهاق والتعب، ثم الوضع والرضاعة مع الخدمة، البنت يختلف عليها الجو جداً، فعلى الأب أن يكون حكيماً في نصح ابنته في مواجهة الواقع الجديد بعد الزواج هذه مسألة مهمة, وكثير من البيوت تنجح بسبب مواصلة الأب فلا يقول الأب: أنا انتقيت لها الكفء وانتهت مسئوليتي، لا.
يجب أن يواصل القيام بالمسئولية وأن يواصل الاعتناء بالبنت حتى بعد زواجها، وكثير من الأباء من خيرهم وبرهم أنهم لا زالوا يشرفون على بناتهم ويعتنون بهن حتى بعد الزواج بسنوات طويلة، وربما يكون هناك من أشرف على ابنته وجلب الطعام إليها في بيت زوجها، وخدمتها والاعتناء بأولادها، وهكذا لا تزال الرعاية مستمرة.
والحديث فيه منقبة لـ علي رضي الله عنه من جهة منزلته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه دخل عنده وجلس بينه وبين زوجته، وأنه اختار له أمر الآخرة على أمر الدنيا وآثر ذلك له.
وكذلك في هذا الحديث: أن هذه الكلمات التي تقال مائة مرة قبل النوم يشبهها كذلك ما يقال بعد الصلوات، فقد ورد في بعض كيفيات الأذكار التي بعد الصلوات مثل أذكار قبل النوم: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين، هذه كيفية صحيحة من كيفيات الأذكار بعد الصلاة، وكذلك وردت قبل النوم، وبعد الصلاة الكيفية المشهورة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثا ًوثلاثين، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وفيه ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الشدة وأنهم احتملوا ذلك وخرجوا من الدنيا في نظافة، وأنهم لم يتقذروا بما فيها.
وفيه -أيضاً- تسلية لكل من اشتدت حاله أن من هو أفضل منه لاقى ما هو أشد، فلعل أن يكون فيه درس له أيضاً على الصبر.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يسيرون على خطاهم، ويتأثرون بسيرتهم ويعملون بها، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.