للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المؤامرة على اللغة]

علم أعداء الإسلام أن اللغة العربية هي الجزء المشترك من كيان الأمة، وهي الوطن المعنوي الواحد لحركة اللسان المعبرة عن حركة الفكر والوجدان، وأن مقياس رقي الأمم وانحطاطها في رقي اللغة وانحطاطها؛ هجموا على اللغة العربية، وأخذوا تراثنا ومخطوطاتنا إلى مكتباتهم وجامعاتهم، عندما أدركوا أن اللغة تربط بين المسلمين وتوحد بينهم، كان المسلم ينتقل من المغرب إلى أقصى المشرق وهو يتكلم باللغة العربية الفصحى، وكل واحد يفهمه، كلهم يفهم بعضهم بعضاً؛ لأن اللغة واحدة، فلما احتل الكفار الدولة الإسلامية، وقسموها شنوا الحرب على اللغة العربية الفصحى، وفرضت لغة الغزاة على الشعوب الإسلامية المغلوبة.

أولاً: جعلوا لغتهم هي اللغة الإجبارية في المدارس، من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية فما فوق، واعتبروها اللغة الأساسية في البلاد مع إهمال اللغة العربية، حتى ينشأ جيلٌ من أبناء المسلمين يتكلم بلغة الغزاة ويهجر لغته الأصلية، وصار طالب العمل والوظيفة لا يستطيع أن يجد وظيفة إلا إذا كان يتقن لغة الغزاة اتقاناً جيداً، حتى صارت الأجيال في بلاد المسلمين لا تحسن النطق بالعربية وتجيد لغات الغزاة، وابتعدت الأجيال عن الدين نتيجة لذلك، حتى صار الواحد يفتح المصحف ولا يحسن تلاوته، ولا قراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن مقطوعة شعرية، أو قصة كتبت بالعربية.

انظروا إلى حال المسلمين في شمال أفريقيا، ماذا فعلت بهم فرنسا وأفريقيا؟ والشعوب الإسلامية في روسيا والصين لقد دمرت اللغة العربية تدميراً تاماً فهم يتكلمون فرضاً باللغة الروسية.

وهكذا في كثير من البلدان أزيحت اللغة العربية عن مسرح الحياة، ثم قاموا بعد ذلك بشن الهجمات، ومن ذلك محاولة نشر اللهجات العامية الإقليمية، والتشجيع على أن تكون اللهجة العامية هي التي تكتب بها العلوم والآداب والمعاملات، وأن العامية سهلة وتجيدها كل المستويات، والفصحى قواعد صعبة وألفاظ معقدة، هكذا خيَّلوا لنا؛ فصارت اللغة العامية هي الدارجة الباهية، حتى نصير مثل الألمان والإنجليز والفرنسيين، الذين انفصلوا بلغات مختلفة عن اللغة اللاتينية الأم هكذا كان المخطط، وأعطيت اللهجة العامية صيغة اللين والسهولة، ووصفت بأنها القادرة على التعبير عن كل أفكار أفراد المجتمع، وفتح المستشرقون الباب للدراسات، ونشروا الأبحاث في المجلات، وقاموا بتلك الحركة الخبيثة لترك الفصحى إلى العامية، فقام وليم جيمس، وسلدن مور وغيرهما من هؤلاء الأخباث الأنجاس ولويس ماسنيون، وبعضهم أسماؤهم على شوارع في بلاد المسلمين، قاموا بالدعوة إلى العامية، وتلقفها من المحسوبين على المسلمين من أمثال: لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وتوفيق الحكيم وسلامة موسى وزكي نجيب محمود، وغيرهم فقاموا بإشاعة اللهجة العامية، وهدم اللغة العربية، وتغيير قواعد اللغة العربية، وتغيير الخط العربي، وتغيير قواعد الإملاء، وحذف بعض القواعد، وأيدهم نصارى العرب من أمثال سعيد عقل وأنيس شريحة ولويس عوض، ولا غرابة أن يتشجع نصارى العرب ويتحمسوا إلى هذه الفكرة، وسُخّرت الأفلام والمسلسلات والمقالات والمجلات لهذه الأغراض الخبيثة، وأثيرت النعرات القومية، فإذا كان المسلمون من أصل هندي أثاروا قضية الحضارة الهندية القديمة، وآدابها ولغتها السنسكريتية، ونبشوا قبور المقبرة السنسكريتية وأخرجوا العظام البالية؛ ليقولوا: هذه لغتكم الأصلية، وأثاروا النعرة البربرية في أبناء المغرب العربي، والقومية الطورانية في أبناء تركيا المسلمين، والنعرة القبطية في أبناء مصر، وأحيوا أمجاد الفراعنة وآثارهم لقطع الشعب عن أصالته العربية الإسلامية، وفي بلاد الشام أثاروا الحضارة الفينوقية، والقومية الكردية في الأكراد، وغير ذلك؛ لتقطيع أوصال الأمة، وفرض أتاتورك على المسلمين في تركيا كتابة اللغة بالأحرف اللاتينية، ومنع الأذان بالعربية، والكتابة بالعربية، والتدريس بالعربية، واللباس الذي يميز المسلمين, فصار حالهم كما ترون اليوم لا يقدر المسلم أن يفتح القرآن ويقرأ، ولا يفهم بعضنا بعضاً إذا التقينا في الحج، وإنما يكون الكلام مع المسلم بالإشارات.

ذهبت اللغة العربية، وقام طه حسين وأذنابه ومن معه بحركة إلغاء الإعراب، وإشاعة قاعدة: سَكِّنْ تسلم، وإلغاء الحركات الإعرابية، كرفع الفاعل، ونصب المفعول به كيف سيعرف المسلم معنى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨]؟ الله: لفظ الجلالة مفعول به مقدم منصوب هو الذي يُخشَى، والعلماء: فاعل فهم الذين يَخشَون، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة:١٢٤] من الذي ابتلى؟ إبراهيمَ: مفعول به مقدم، ربُّهُ: فاعل مؤخر، فإذا ألغينا الحركات الإعرابية كيف سنفهم من الذي ابتَلى؟ ومن الذي ابتُلِي؟ ومن الذي يَخشى؟ ومن الذي يُخشى؟ وقام سوق السخرية بمدرسي اللغة العربية، وأصبحت رواتبهم من أدنى الرواتب إن لم تكن أدناها، ويظهر مدرس اللغة العربية في الأفلام بمظهر الحزن والسخرية، وتطلق النكت المضحكة اللاذعة للسخرية، وقُلّلت حصص اللغة العربية، وحذفت في بعض المدارس بالكلية، مع أن قواعد اللغة الإنجليزية تدرس في الجامعات، فالتخصص -علمي أو أدبي- تدَّرس فيه قواعد اللغة الإنجليزية، واللغة العربية حذفت بالكلية، بل إنه وصل الحال المزري أن تدرَّس في بعض الجامعات حصص قليلة للغة العربية وتدرِّس قواعد اللغة العربية باللغة الإنجليزية، فلا يقال: هذا فاعل، وإنما يقال: هذا ( Object) وهذا ( Subject ) وهذا (

الجواب

dverb ) وهذا ( pronouns ) وهكذا تدرس قواعد اللغة العربية باللغة الأعجمية، ولما قام بعض المخلصين بتعريب المصطلحات والكلمات، قامت السخرية بالترجمة، أو بالتعريب، وقالوا: أتريدون؟ ترجمة الـ ( Sandwich ) إلى شاطر ومشطور وبينهما طازج؟ سبحان الله! من الذي قال أن هذه ترجمة ( Sandwich )؟ ما هو الشاطر؟ أليس السكين؟ والمشطور هو الشطيرة؟ كيف تكون ترجمة ( Sandwich ) سكين وشطيرة؟ عندنا كلمة واحدة نقولها شطيرة أو فطيرة، وإذا كان ( Sandwich ) هو اسم الشخص الذي اخترع الفكرة، ( Bantlwoni ) ( وبنطلوني) اسم الذي فصَّل هذا أول ما فصّله، فبأي شيء يتبجحون علينا والقضية قضية أسماء؟! وأشيعت المفردات الأجنبية في كتب اللغة العربية والمدارس العربية والجامعات العربية، مع أن لها بدائل واضحة وسهلة، أدخلت كلمة ( Biology ) مع أننا بسهولة نقول: علم الأحياء، و ( Ficology ) مع أننا بسهولة نقول: علم وظائف الأعضاء، و ( Sociology ) مع أننا نقول بسهولة: علم النفس، وهكذا لكنَّ رنين الكلمة الذي يوحي بالتقدم والحضارة عند المنهزمين من أبناء جلدتنا صاروا يرطنون بهذه الألفاظ في كلامهم؛ ليدللوا على أنهم متقدمون وحضاريون ومواكبون للمخترعات والمكتشفات والحضارة الغربية.

نعم.

لو قالوا أسماء الأشخاص، وأسماء البلدان، وأسماء الأدوية التي لا حيلة فيها لقبلنا ذلك، وقلنا: نأخذ الأعلام كما هي.