كذلك فإننا نواجه في الحياة أناساً يخطئون على أناس، يظلمونهم فلا بد أن يكون هناك موقفٌ جيدٌ من مثل هذا، وخصوصاً عندما يكون الخطأ مشتركاً، فلا بد أن نبين لهذا ولهذا، ولذلك روى عبد الله بن أبي أوفى، قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(يا خالد! لا تؤذ رجلاً من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أحدٍ ذهباً، لم تدرك عملهم، فقال خالد رضي الله عنه: يقعون عليَّ، فأرد عليهم، فقال: لا تؤذوا خالداً، فإنه سيف من سيوف الله عز وجل صبه الله على الكفار) رواه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
إذاً يبين حق هذا، ثم يبين حق الآخر، وعندما يخطئ إنسان على أخيه المسلم، فإننا نسعى إلى معاتبته وبيان حقوق الأخوة، ونعاتبه على خطئه.
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة:(أن رجلاً مرَّ على قومه، فسلم عليهم، فردوا عليه السلام، فلما جاوزهم، قال رجل منهم: والله إني لأبغض هذا في الله، فقال أهل المجلس: بئس والله ما قلته، أما والله لننبأنه، قم يا فلان -لرجل منهم- فاخبره، فأدركه رسولهم، فأخبرهم بما قال، فانصرف الرجل الذي قيل فيه ما قيل، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! مررت بمجلسٍ من المسلمين فيهم فلان، فسلمت عليهم، فردوا السلام، فلما جاوزتهم، أدركني رجلٌ منهم، فأخبرني أن فلاناً قال: والله إني لأبغض هذا الرجل في الله، فادعه فسله علام يبغضني؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عما أخبره الرجل، فاعترف بذلك، وقال: قد قلت ذلك يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم تبغضه؟ قال: أنا جاره وأنا به خابر، والله ما رأيته يصلي صلاةً قط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يصليها البر والفاجر، فقال الرجل: سله يا رسول الله! هل رآني قط أخرتها عن وقتها، أو أسأت الوضوء لها، أو أسأت الركوع والسجود فيها، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا.
ما رأيته ينقص منها شيء، ثم قال: والله ما رأيته يصوم قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر والفاجر، فقال: يا رسول الله! هل رآني قط أفطرت فيه، أو انتقصت من حقه شيئاً؟ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا.
ثم قال: والله ما رأيته يعطي سائلاً قط، ولا رأيته ينفق من ماله شيء في سبيل الله بخير إلا هذه الصدقة، -أي: الزكاة- التي يؤديها البر والفاجر، قال: فسله يا رسول الله! هل كتمت من الزكاة شيئاً قط، أو ماكست فيها طالبها؟ قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم إن أدري لعله خيرٌ منك).
إذاً: إصلاح ذات البين ومعاتبة المخطئ على أخيه، ومناقشة ذلك لمعرفة السبب في البغض، ونحن كثيراً ما نخطئ على إخواننا، ونخطئ على الخدم المسلمين عندنا، ونغتابهم كثيراً وكثيراً، والقضية خطيرة، فإن رجلاً كان يخدم أبا بكر وعمر في السفر، فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاماً، فقال أحدهما لصاحبه:(إن هذا لنئوم -فقط هذه العبارة، فأيقظاه، فقالا: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام، وهما يستأدمانك -يطلبان الإدام- فقال عليه الصلاة والسلام لهذا الخادم: أقرئهما السلام، وأخبرهما أنهما قد ائتدما، ففزعا، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله! بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: قد ائتدما، فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما، قالا: فاستغفر لنا: قال: هو فليستغفر لكما) وهذا حديث صحيح.
كم نغتاب الخدم؟ كم نغتاب الذين نتعامل معهم؟ ماذا قال هذان الشيخان الكريمان؟ قالا: إن هذا لنئوم -كثير النوم- واعتبرها عليه الصلاة والسلام غيبة، وطلب منهما أن يذهبا إليه ليستغفر لهما.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، والحمد لله رب العالمين.