الحمد لله العزيز الوهاب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، لا إله إلا هو، إليه أدعو وإليه متاب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خير من استغفر وأناب، وعلى آله وصحبه أولو الأيدي والألباب، وعلى من سار على نهجه واقتفى سنته إلى يوم الحساب.
أيها الإخوة: نحن نعيش في وقت نشهد فيه رجعة من المسلمين إلى الله واضحة، وكثير من الناس صاروا ما بين تائب وأوَّاب، وتيمم كثير منهم شطر المسجد والمحراب، يريدون المغفرة من ربهم ويواصلون قرع الأبواب، والدعاة إلى الله في مواقفهم من هؤلاء التائبين العائدين إلى ربهم يحتاجون إلى تعلم الحكمة وكيفية الخطاب، فكان لابد لاستقبال هؤلاء التائبين الجدد من إعداد العدة والأخذ بالأسباب.
وقد سبق أن تكلمنا في لقاء منفصل عن التوبة وأهميتها وعوائقها، وكيف تزال هذه العوائق، ونحن نتكلم الآن في لقاء موجه إلى الدعاة إلى الله أكثر من غيرهم عن هذه المسألة.
ونحن نعلم -أيها الإخوة- أن الحديث عن موضوع التوبة حديث ذو شجون، فإن آثام الناس في هذا العصر قد كثرت، وتبين لكثير من المخطئين خطأهم وذنوبهم، وأرادوا أن يرجعوا إلى الله عز وجل، والتوبة فيها تجديد لمعاني أسماء الله وصفاته في النفس، فإنه يتبين في قلب التائب من معاني أسماء الله: التواب، الكريم، الواسع، الغفار، الغفور، الرحمن، الرحيم، ومن صفاته: أنه غافر الذنب، وقابل التوب سبحانه وتعالى.
وموضوع التوبة بالنسبة للصالحين موضوع مهم، فإن الكثير يطرق موضوع التوبة بالنسبة للمذنبين العصاة، ولا يطلق موضوع التوبة بالنسبة للصالحين والدعاة إلى الله إلا قليلاً، علماً بأن الجميع يحتاج هذا الموضوع من أكبر صالح إلى أكبر مذنب.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، فما بالنا نحن العبيد المقصرون؟! وماذا يكون حالنا في هذا الميزان، ونحن نرى رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يفعل ما يفعل؟! وموضوع التوبة بالنسبة للصالحين له مجالات متعددة، فإن هذا الصالح كان في يوم من الأيام مذنباً، ثم تاب إلى الله وأصبح صالحاً، ولكن هذه الفترة التي مضت من عمره كان فيها منغمساً في أوحال الذنوب والمعاصي، ثم أحدث التوبة بعد ذلك، هذه الفترة التي مضت دون توبة عاجلة، وتأخرت توبته سنوات، ثم صلح حاله بعد ذلك، هذه التوبة تحتاج إلى توبة من تأخير التوبة.
لأننا في كثير من الأحيان نذنب، أو نكون قد أذنبنا في فترات ماضية، ولكن لم نتب إلا بعدها بسنوات، إذاً فهذا التأخير الحاصل بالنسبة للتوبة هو ذنب مستقل يحتاج إلى توبة، وكذلك فإن هناك كثيراً من الأمراض التي تنتاب بعض الصالحين مثل: غرور العبادة، والتألي على الله عز وجل، والاستكبار في الأرض، ومشاهدة بعض الناس لأعمالهم الصالحة، ودخول الرياء على الكثيرين حتى من الصالحين، وحب الرئاسة والظهور من الأمراض التي لا يسلم منها إلا النادر من الناس.