[الفرق بين علم التأثير وعلم التسيير]
قال: (وكان النخعي -رحمه الله- لا يرى بأساً أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به)، وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: [تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق]؛ لأن بعض النجوم مهم معرفتها كمسافر حتى لا يضل فيعرف الاتجاهات، وكمصلي يحتاج أن يعرف بعضها، مثل: تعيين القطب الشمالي لتعيين القبلة، فمعرفة القطب الشمالي وأين يوجد القطب الشمالي، وما هو القطب الشمالي، وما هو شكله مثلاً، وأن هذه العلامة مثل علامة الاستفهام أو الملعقة، لو أخذت طرفيها أو جهة الرأس النجم الأول والثاني ثم مددت خطاً بقدر ستة أميال ما بين النجمين سيكون في اتجاه، أو سيصلك إلى النجم القطبي الشمالي مثلاً، أو ما يسمونه بمجموعة الدب الأكبر والدب الأصغر للوصول إلى قضية تعيين القطب الشمالي، وهذا لا شك أن فيه فائدة.
ولكن هناك بعض العلوم المتعلقة بالنجوم حرام، وقد قال طاوس رحمه الله: [رب ناظرٍ في النجوم ومتعلم حروف (أبا جاد) ليس له عند الله خلاق] وهذا قد جاء أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه، وإسناده صحيح.
فعلم النجوم يقسمه العلماء إلى قسمين: القسم الأول: علم التأثير.
القسم الثاني: علم التسيير.
وعلم التسيير: هو العلم الذي يتوصل به إلى معرفة الاتجاهات وهذا علم طيب، والله سبحانه وتعالى كما قال قتادة: [خلق الله النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:١٦] {لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام:٩٧]].
أما علم التأثير: فهو الربط بين النجوم والكواكب وحركة الأفلاك ومنازل القمر إلخ، وبين الحوادث الأرضية؛ بحيث يعتقد أنه إذا جاء النجم الفلاني في المكان الفلاني، أو طلع النجم الفلاني في المكان الفلاني ونحو ذلك فسوف يحدث كذا وكذا في الأرض، وأن هذا دليل على أن عظيماً قد ولد، وهذا دليل على أن عظيماً قد مات، وهذا يدل على أن كارثة وحرباً ستقع، وهذا كذا.
ومن هذا -أيضاً- قضية الأبراج المملوءة بها -الآن- المجلات وبعض السيارات من الجرائد وغيرها، فهذه مكتوب فيها بالنص، الربط بين أشياء متعلقة بولادة إنسان في برج معين، أو أمور متعلقة بظهور نجم أو أفلاك معينة، وبعض الناس يقول الآن: إذا ظهر النيزك الفلاني فيقع كذا وكذا في الأرض، فهذا حرام، وتعلمه حرام، ونشره حرام، وقراءته حرام حتى للتسلية، لأنه لا يجوز التسلي بقراءة الشرك.
وعن قبيصة: (إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت) ومثل هذا الأثر الذي معناه: "العيافة: هي زجر الطير، والتفاؤل بأسمائها وصفاتها، وما هي العلاقة بين ذهاب الطير يميناً أو شمالاً وبين حصول نحس أو شقاء في الأرض، أو حوادث في حياة الإنسان؟! والطرق هو: الضرب بالحصى أو الخط بالرمل، أو ما يفعله بعض العجائز من رمي الودع، ثم الاستدلال بشكل الودع الذي قد ألقي على الأرض على أمرٍ معين في المستقبل مثلاً، أو حوادث معينة، ذلك كله حرام، وتعلمه حرام، وتعلم علم الفلك من هذه الجهة حرام، والعمل بمقتضاه كُفر.
فأما علم التسيير الذي يتوصل به ولمعرفة القبلة والطرق ومعالم الزراعة فهو جائز عند الجمهور، وما زاد فلا حاجة إليه، فقد لا يكون كفراً ولا شركاً بل مباحاً، لكن الإكثار منه مشغلة للوقت، وصرف فيما لا ينفع.