كان ابن هبيرة صاحب كرم، فحُكي عنه أنه كان إذا مد السماط، فأكثر ما يحضره الفقراء والعُمْيان مع أنه وزير؛ لكنه يُدخل عليه الضعفاء والعميان والفقراء، ولا يأنف من ذلك، مجلسه لأهل العلم رحمه الله، وداره مفتوحة للفقراء، قال: فلما كان ذات يوم -هذا من حسن خلقه وتعامله حتى مع الفقراء- وأكل الناس وخرجوا، بقي رجلٌ ضريرٌ يبكي ويقول: سرقوا مداسي وما لي غيره، والله لا أقدر على ثمن مداسي، وما بي إلا أن أمشي حافياً وأَصْلَى -بفتح الهمزة: الحر، فقام الوزير من مجلسه ولبس مداسه - الوزير ابن هبيرة لبس مداسه- وجاء إلى الضرير، فوقف عنده وخلع مداسه والضرير لا يعرف أن هذا الوزير، فقال: البس هذا، وأبْصِرْه على قدر رجلك؟! فلَبِسَه، وقال: نعم.
لا إله إلا الله! كأنه مداسي، ومضى الضرير، ورجع الوزير إلى مجلسه وهو يقول: سلمتُ منه أن يقول: أنت سرقته.
مع أنه معروف أن الأعمى لن يقول: إن الوزير سرقه، لكن من حسن خلقه رحمه الله، وأعطاه لذلك الفقير، وقال هذا الكلام.