فوائد نكاح صاحبة الدِّين
على الشباب إذا ابتغوا النكاح أن يركزوا جيداً في مسألة مواصفات المرأة التي يريد أن يتزوج بها، فكثير منهم إذا أراد أن يتزوج فإنه ينظر إلى الجمال وهذه من الآفات المشهورة الموجودة في زماننا هذا، والنبي عليه الصلاة والسلام قد أخبر عن هذا المطلب الذي يطلبه بعضهم وهو مسألة الجمال، فقال عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها ولدينها وجمالها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) فإذاً هذا الحديث يرشد إلى أول شرط من شروط الزوجة، إذا أراد الرجل أن يبحث فإن أول ما يبحث عنه قضية الدين، لأن دين الزوجة هو الأساس، إن المرأة تنكح لأسباب ذكر في هذا الحديث أربعة أسباب رئيسية تدعو إلى نكاح النساء: المال والحسب والدين والجمال، فما هو الذي تختاره؟ اختر الدين تربت يداك، وهذا خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته؛ لأن معنى تربت يداك، أي: التصقت يدك بالتراب من الفقر، ولكنه لا يريد به حقيقته وإنما هو نوع من التأنيس ولفت النظر إلى ما يريد.
وهؤلاء الذين يطالبون اليوم بمواصفات عجيبة من الجمال يستلهمونها من أغلفة المجلات، ومما بقي في الأذهان من النساء في المسلسلات، والذين لا يغضون أبصارهم في النهاية يقول: أريد امرأة وصفها كذا ونحو ذلك، وبعضهم يتشدد في هذا تشدداً عجيباً حتى يشترط لون بؤبؤ العين! فنقول لهؤلاء الناس: رويدكم مهلاً! ماذا تقصدون؟ وهل تظنون أن وجود هذه المواصفات التي تركبونها من الأشكال الموجودة في مخيلاتكم أمر سهل أو أنه يمكن أن يتأتى بيسر؟
الجواب
كلا.
المشكلة تنبع من قضية الجاهلية التي عاشها بعض الناس مما رأوه في الأفلام أو في المسلسلات أو فتيات الغلاف ونحو ذلك.
وقد يكون الجمال سبباً لطغيان المرأة فعسى حسنها أن يوردها المهالك وهذا موجود في الواقع، فإن بعض النساء إذا آنست من نفسها جمالاً صارت مغرورة وربما طال لسانها على زوجها وطالبته بالنفقات الكثيرة وعابته في خلقته وأخبرته بأنه لا يستحقها؛ بل إنه أدنى من ذلك وأنها بالمكانة الأرفع وتمن عليه أنها رضيت به، ولذلك قد يكون الجمال تعاسة في الحقيقة على أنه لا يمنع الشخص من أن يبتغي الجمال، فإنه لو وجد الجمال بعد الدين فهذا خير إلى خير، فإن من الأمور الجيدة أنه إذا نظر إليها سرته.
لكن هذه المستويات من الصور الجميلة الموجودة في الأفلام والمسلسلات والمجلات هي في الحقيقة عينة نادرة في الواقع؛ لأن أكثر النساء لسن كذلك، وإنما اليهود وأعوانهم يغوون من يغوون من النساء في المجتمعات فينتقون صاحبات الصور الجميلة ليدخلن في هذه الأشياء.
ثم إن بعض الناس لا يفرق بين الجمال الطبيعي وجمال المكياج، فإن ما فعلته اليوم دور الأزياء وصالات الكوافيرات والتزيين لوجوه النساء هو أمر عجيب! فإن المرأة تدخل فتقعد عند المزينة بوجه ثم تقوم من عندها بوجه آخر، حتى إن المرأة الأخرى التي تنتظرها في صالة التزيين عند الكوافير لا تكاد تعرفها من كثرة الأصباغ والمساحيق والألوان والأدهان التي يستخدمونها، ولذلك لو نظرت إلى صورة فرأيت فيها جمالاً فاعلم أنه قد يكون جمالاً مزيفاً، ثم أنت تطلب مثله في الواقع وتقول: أريد امرأة هذا وصفها، وهذا لونها، وهذه عيونها، وهذا ثغرها، وهذا طولها ونحو ذلك، لذا لابد أن يكون الإنسان عاقلاً، فالصحيح أنه ليس مأموراً أن يتزوج ذميمة أو قبيحة لكن في نفس الوقت لا يشترط هذه الشروط وليس ببعيد أن الذي يشترط هذه الشروط يأخذ عكس ما اشترط بالضبط، وهذا ملاحظ، فإن الذي يكون عنده يسر في انتقائه ويشترط الدين يوفقه الله لامرأة تقر بها عينه، وإذا كان متشرطاً كثيراً من الشروط يريد أوصافاً دقيقة جداً، ويقول: لا أريدها بعدسات ولا بنظارات، فهذا الشخص نادراً ما يصل إلى مطلوبه، هذا إذا سلمت زوجته ولم ترفع عليه صوتها أو تسيء العشرة معه في المستقبل.
إذاً المطلوب الأول هو الدين، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
ومن هي ذات الدين؟ المرأة التي تقوم بالواجبات وتنتهي عن المحرمات، فنحن لا نشترط داعية ولا طالبة علم لكنها إذا كانت صاحبة دين دفعها دينها إلى الدعوة إلى الله وطلب العلم ما دام زوجها يدفعها إلى ذلك، فإذاً يكفي في البداية أن تكون المرأة صاحبة دين وتقوى وخوف من الله عز وجل، وهذه المسألة تتفاوت عند النساء، فمنهن من تكون ذات تقوى عالية وخوف من الله عظيم، ومنهن من تكون متوسطة في ذلك، المهم أن تكون معروفة بالستر والعفاف والصيانة، قائمة بفروض الله من الصلاة والصيام والحجاب تاركةً المحرمات كسماع آلات اللهو والغناء والتعلق بالأفلام ونحو ذلك من الأمور، صحيح أنه حتى مع تبسيطنا للمسألة فإنها عزيزة في الوجود نظراً لكثرة الفسق في عصرنا؛ لكن مع انتشار الصحوة والحمد لله لن يعدم الإنسان امرأة ذات دين في الواقع، ولا يقل: لم أجد امرأة ذات دين، الذي يقول: كل هذا المجتمع ما وجدت فيه امرأة ذات دين فهذا إنسان في نظرته نظر.
ولا ينبغي التساهل في هذا المطلب مطلقاً، فإن كثيراً من الأشخاص الذين تزوجوا بغير ذات الدين، وقالوا: في المستقبل يصلحها الله في المستقبل يهديها الله في المستقبل سأجتهد عليها حتى تلتزم بالدين.
فنقول: إن الهداية بيد الله، فربما تجتهد وتعمل وتعمل ثم لا تتدين المرأة، فتتبرج وتذهب إلى الأماكن والأعراس المختلطة ونحو ذلك فماذا ستفعل وقد تورطت، وصار لك منها ولد، وصار الاستغناء عنها الآن أعسر بكثير من ذي قبل، وستعض أصابع الندم وتتمنى لو كنت من البداية قد تزوجت ذات الدين؟ ومن الأشياء الطريفة! أن أحد الشباب عرضت عليه امرأة متدينة، فقال: أنا لا أستحقها، فنقول: هذا تواضع مذموم، فاحمد الله إذا عرضت عليك امرأة ذات دين ولو كنت أنت عندك شيء من التقصير فربما تكون هدايتك على يديها، وهنا قد يقول بعض الناس: هل أنت تدعو لترك غير المتدينات فمن سيتزوجهن إذاً؟ أقول: أنا أدعو إلى ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين) وليحدث هذا الشعور في نفوس بعض النساء غير المتدينات إذا شعرت الفتاة غير المتدينة إنها غير مرغوب فيها إذا كانت غير ذات دين، وقد كثر في المجتمع الكلام عن ذات الدين وأن ذات الدين مطلوبة فسيكون هذا من الدوافع لهؤلاء الفتيات أن يلتزمن بالدين، وقد يلتزم الإنسان بالدين من باب مادي أو يظهر الالتزام بالدين ثم يقوده ذلك إلى الإخلاص لله سبحانه وتعالى، كما حصل من بعض السلف الذين قالوا: طلبنا هذا العلم للدنيا فأبى الله إلا أن يكون لوجهه، فساقهم الله عز وجل للإخلاص في النهاية.
وبعض الشباب الذين تهاونوا في شرط الدين سبب لهم هذا التهاون -والعياذ بالله- انتكاسة ووقعة ورجوعاً ونكوصاً على الأعقاب بعد الزواج، لم يصبح الأمر على ما أراد أنه سيجعلها تلتزم بالدين، وإنما الذي حصل أنها الذي أوقعته في فتنة الدنيا وهي التي أرجعته خطوات كثيرة إلى الوراء.
وبعض الناس يلعب ويلهو ويعصي ويفجر ثم يقول: أريد امرأة متدينة، وهو يقول من تجربته في عالم الفساد: إنه لا يؤتمن على البيت إلا المرأة المتدينة، كلامه صحيح لكن من أسباب توفيق الله للشخص من امرأة متدينة أن يكون متديناً.
نعم إن بعض الناس كانوا أصحاب فجور، فلما تزوجوا بنساء متدينات أثر ذلك فيهم، لكن إذا أراد الشخص أن يصل إلى بغيته من امرأة ذات دين، فينبغي له أن يتقي الله حتى يجعل له من أمره يسراً ويرزقه من حيث لا يحتسب، وحتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً ويرزقه بذات الدين المطلوبة، أما الواحد يعصي ويفجر ثم يقول: أريد ذات الدين فربما تكون معصيته وفجوره من الأشياء التي تحول بينه وبين الوصول إلى ذات الدين.