[أمثلة لحالات الضرورة فيها صحيحة وحالات فاسدة]
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى خلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأقام الحجة، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، لا إله إلا الله الحي القيوم، لا إله إلا الله فعال لما يريد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد الرحمة المهداة، السراج المنير، والبشير النذير، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
أيَّها المسلمون: لا بأس أن نذكر الآن بعض الحالات التي فيها ضرورة صحيحة، وبعض الحالات التي ليس فيها ضرورة وإنما يستخدم الناس كلمة الضرورة زوراً وبهتاناً على الشريعة.
فمثلاً: الكذب في الحرب ضرورة مع الكفار، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة) والكذب لأجل الإصلاح بين المتخاصمين ضرورة من أجل التوفيق بين المتخاصمين من المسلمين، إذا لم يجد حلاً إلا ذلك.
وكذلك غيبة رجل لا يصلح في الزواج تُقدِّم إلى أناس وأنت تعلم حاله، يجوز أن تغتابه للضرورة لا حرج في ذلك.
وسفر المرأة بغير محرم يكون ضرورة في حالات: كمن مات محرمها في الطريق، أو أجبرت على الخروج من بلد بالقوة وليس عندها محرم، أو مضطرة للهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وليس عندها محرم، وعائشة رضي الله عنه في غزوة بني المصطلق لما تركها الجيش وذهبوا وظنوا أنها في الهودج، وهي كانت تبحث عن عقدها بعيداً عن الجيش تركوها وذهبوا، فلما مر بها صفوان بن معطل السلمي رضي الله عنهما اقتاد بعيرها وذهب بها للضرورة؛ لأنها مقطوعة.
لو شاهدت حادث سيارة في طريق سفر وامرأة تحتاج إلى إسعاف تأخذها للضرورة لا حرج في ذلك، ترك الجماعة في المسجد لوجود مجنون أو مريض في البيت يخشى عليه، يحتاج إلى من يقف بجانبه ويرعاه لأن حالته خطرة، هذه ضرورة تترك لأجلها صلاة الجماعة.
لكن ترك صلاة في المسجد لأجل المباريات والكلام الفارغ، ما حال أكثر المسلمين؟ وضع النقود في البنوك الربوية لحفظها إذا لم يوجد إلا هي ضرورة، لأن المال بالتجربة يضيع أو يترك، وهناك مؤسسات عندها أموال كثيرة، وأناس أغنياء من المسلمين أين يضعون نقودهم؟ فيضعونها إذاً في البنوك الربوية إذا لم يوجد إلا هي مع وجوب السعي لإقامة البنوك الإسلامية -كما ذكرنا قبل قليل- من القادرين على السعي لا بد منه.
السفر إلى بلاد الكفار لعلاج لا يوجد إلا في بلاد الكفار جائز للضرورة، وذكر بعض أهل العلم في حالة عصرية الاضطرار إلى عقد التأمين المحرم في بلد لا تستطيع قيادة سيارتك فيه إلا بعقد التأمين، لا تستطيع، يمنعونك ويخالفونك ويسحبون رخصتك، ويمنعونك من قيادة السيارة، أنت مكره في هذه الحالة لأنك لا بد أن تستعمل سيارتك، لا تستطيع أن تمشي المسافات الطويلة، ولكن ما رأيكم بمن يؤمنون على سيارتهم لغير ضرورة؟ ما أحد دفعه إليها ولا ضرب يده عليها، ومع ذلك يقوم بعقد التأمين المحرم، يقول: أخشى أن يحدث حادث، أتوقع يمكن وبناءً على هذه الممكنات يرتكبون عقد التأمين المحرم قطعاً، وهو نوع من أنواع الميسر والقمار لا يجوز فعله.
العمل في البنوك الربوية حرام ليس بضرورة أبداً ولا يجوز، الأعمال الأخرى موجودة وأرض الله واسعة، إذا لم تجد في البلد فأرض الله واسعة، وإذا لم تجد يجوز لك أن تمد يدك إلى الناس، لو قال واحد ما وجدت، نقول: الشحاذة جائزة للضرورة، لكن العمل في البنوك لا يجوز، الشحاذة جائزة، العلماء أباحوا التسول للضرورة، فيجوز.
الاستلاف من البنوك الربوية للمشاريع التجارية أو الزواج ونحوه، حرام لا يجوز، وكذاب الذي يدعي أنها ضرورة، لا يجوز.
الاستلاف من البنوك الربوية: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣].
السماح ببيع الخمور في بلاد المسلمين، وفتح الملاهي، ودخول الكفار إلى المساجد للفرجة بحجة أن البلد مضطر إلى العملة الصعبة التي يأتي بها هؤلاء السياح، سبحانك هذا بهتان عظيم! سفر المرأة بغير محرم لغير ضرورة لا يجوز وحرام، والعلاج بالمحرمات فإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها، أو العلاج بالموسيقى كما يقولون، أو الإفطار في رمضان لأجل نقل عفش أو وظيفة أو عمل غير ضرورة، لو كان جهاداً في الجيش لقلنا: أفطر تَقوَّ على جيش الكفار.
رجال المطافئ يطفئون حريقاً صعباً طويلاً جداً يتقوون لإطفاء الحريق، لكن هذا يقول: وقت طويل وعمل طويل.
حلق اللحية لمجرد الخوف من توقيف بسيط أو مساءلة كما يفعل في بعض البلدان الذين لا يخافون الله سبحانه وتعالى، فيوقفون أصحاب اللحى ويفتشونهم، واحد ذهب إلى بلد وهو ملتحي أوقفه موظف التفتيش وين يا أخ؟ ماذا؟ ما هذا الذي عليك؟ قال: لحية، ما تعرف أن اللحية ممنوع؟ سبحان الله! ومن الذي منعها؟ فحلق اللحية لمجرد خوف توقيف بسيط أو مساءلة لا يجوز وليس بضرورة، لكن لو خاف أنه يسجن سجناً مؤبداً أو يقتل ويلحق به ضرر عظيم، يجوز له حلقها للضرورة، أما لمجرد كلمة أو كلمتين يسمعها من الأذى يجب عليه أن يتحمل ذلك في سبيل الله.
وضع البنات في مدارس مختلطة بدون حجاب للدراسة، والمرأة هذه تفتن وربما تفعل الفاحشة، وتجعل لها خليلاً من أجل الشهادة، لا، لا نريد الشهادة وليست بضرورة، قالوا: حتى يرغب المتقدمون لها بالزواج؛ لأنها صاحبة شهادة، لا يا أخي! يرزقها الله.
وزعموا أن الربا ضرورة عصرية، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وجلب عمال الكفار إلى جزيرة العرب لفتح أعمال تجارية لا يجوز.
إجهاض الجنين من المرأة التي تريد أن تحافظ على رشاقتها، قال: هذا الجنين الآن يشوه الشكل ويسبب انتفاخ البطن، وتجعد الجلد نجهض، حرام.
أو إجهاض الزانية لكي تتوسع في الزنا بزيادة حرام.
كشف الطبيب على المرأة الأجنبية بغير حاجة ولغير ضرورة، وترك المرأة للحجاب عند السفر للخارج ليس بضرورة، وأصرفكم بهذه المسألة سمعتها في الليلة الماضية من فتاوى إذاعة لندن أستغفر الله برنامج بين السائل والمجيب.
السؤال عن حكم مصافحة المرأة الأجنبية.
بدأ المفتي يفتي في إذاعة لندن يقول: إن هناك كثيراً من الأمور التي تساهل الناس فيها، وأحوال كثيرة في الواقع مخالفة للشرع، فاستبشرنا خيراً وبعد ذلك، قال: وقد وردت الأدلة المانعة لتحريم المصافحة وقالت عائشة: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط) ولا كذا وكان يبايعهن فيكتفي في المبايعة من بعد، وو إلخ، قال: ولكن في النهاية كل هذه الأدلة ليس فيها دليل على التحريم لأنها خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم.
الله أكبر! {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام وهذا دليل ما جاء به المفتي الضال المضل، قال عليه الصلاة والسلام: (لأن يطعن أحدكم بمخيط في رأسه خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) وإنما قال: جاءت امرأة في المركز الفلاني ومدت يدها للمصافحة، هذا إحراج، قال: هذا إحراج ماذا نفعل؟ هذا إحراج صارت ضرورة يصافح المرأة الأجنبية، قال: وجاءت امرأة اسكتلندية مهرولة تريد أن تعانقني، إحراج.
أيها الإخوة! إن هذا الموضوع مؤلم وخطير، وقد آثرت أن أطرقه بنوع من التفصيل لكني أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا وإياكم في دينه، لأن الفقه في الدين أيها المسلمون! أمر مهم جداً لكي لا نقع في هذه المحظورات بحجج واهية لا يقبلها الله، هذا دين، وهذه أمانة، وهناك حساب، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يخفف عنا أهوال يوم القيامة.
اللهم إنا نسألك أن تتجاوز عنا يا رب العالمين! وأن تغفر لنا ذنوبنا وتكفر عنا سيئاتنا، وأن تدخلنا الجنة مع الأبرار، اللهم سامحنا في تقصيرنا في حقك، اللهم تجاوز عنا ما فعلنا من المآثم والمعاصي والسيئات، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.