إذاً: المحاضرة السابقة كانت مكاشَفة ومصارَحة، وليست تأييساً ولا إحباطاً للمعنويات، علماً أنني وجدت من خلال الأسئلة والتعليقات أن تلك المحاضرة السابقة وافقت هوى في بعض نفوس الكسالى والجهال، وقالوا: ما دام ليس لنا أمل في طلب العلم الشرعي ونحن أصحاب تخصصات غير شرعية، فلنركز على دراساتنا الدنيوية إذاً؛ لنخرج بأحد الأمرين على الأقل، وقالوا: لا يصلح أن نتجه لدراسة شيء من العلم الشرعي، فإن المفهوم أنه ينبغي علينا أن نتخصص ونركز ونتقن هذا التخصص الدنيوي، ونترك طلب العلم الشرعي بالكلية، ولا شك أن هذا من الغلو، ومن الانحراف في الفهم.
وكثير من ضوابط المنهج التي ذكرناها في المحاضرة الماضية تنفع لغير المتفرغ.
فلا بد أن ندرك أن طلب العلم الشرعي ليس مقيداً بالتخصص، وإن كنا نعرف أن طالب العلم غير الشرعي قد لا يستطيع أن يكون طالب علم شرعي قوي ويجمع بين الأمرين، مع صعوبة دراسته وكثافتها؛ لكننا نؤكد على الحقيقة، ونقول مرة أخرى: إن المطلوب منك يا أيها الدارس في الكلية غير الشرعية، أمر يحتاج إلى تصميم ومجاهدة لأن فيه صعوبة بالغة؛ لأنك تحتاج أن تجمع بين أمرين لا يتيسر الجمع بينهما بسهولة.
ولا شك أن مما يميز الدعوة الصحيحة: اقترانها بطلب العلم الشرعي على قدر المستطاع، فلا بد من حضور الدروس والحلق الممكن حضورها، والقراءة في كتب العلماء، وإنما نقول: إن طالب علم الشريعة المتخصص في كليته الشرعية عنده فرصة أكبر وأمره أسهل، وفرصة طالب العلم الدنيوي في طلب العلم الشرعي أقل بالنسبة لطالب الكلية الشرعية، ولا يعني هذا أن طالب الشريعة سيكون طالب علم بتخصصه بالضرورة، ولا يعني أن طالب العلم الدنيوي لا يمكن أن يكون طالب علم شرعي بحالٍ من الأحوال.
وطالب العلم الدنيوي إذا طلب العلم الشرعي فإنه يحتاج إلى جهد أكبر، لأنه يعاني من ازدواجية، لكنه مطالَب بتخصص ينفع به المسلمين أو يبر فيه والديه، ومطالب كذلك بتعلُّم دين الله.